ليس العاقل من يعرف الخير من الشر، بل العاقل من عرف خير الخيرين فاختار أعلاهما، وشر الشرين فدفع الشر الأكبر منهما. فهذه قاعدة أصولية ـ لا يختلف فيها عاقلان ـ يجب تنزيلها وتفعيلها على أرض الواقع.
فالمقارنة بين الأبيض والأسود هو أمر سهل يتقنه العامة، ومثاله: المقارنة بين نظام الإسلام السني والنظام الشيوعي، كون الإسلام خير أبيض والشيوعية شر أسود.
لكن الالتباس في الترجيح يظهر في المنطقة الرمادية، أي بين نظام إسلامي سني (خير) ولكن فيه (دخن)، أي فيه بعض الظلم من جهة، كالنظام الأردني مثلا. ونظام شيوعي أو اشتراكي (لا فرق جوهري) يرفع شعاراً ويافطة لا تتعارض مع الإسلام بل يؤيدها الإسلام. كالأنظمة البعثية او الناصرية. هذه المساحة الرمادية تلتبس فيها الحقيقة لدى البعض منّا، ولكن سرعان ما يظهر فيها الترجيح لمن فهم الكتاب والسنة.
أما اشد المساحات التباساً فهي ما يحدث في مصر اليوم بعد استلام الإخوان المسلمين الحكم فيها. فهم من جهة مسلمون سنيون عقيدة (خير)، ومن جهة أخرى (تحريريون) سياسة (شرّ)، والفكر التحريري السياسي منبثق من نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ. فإن عارضناهم، خسرنا الخير الذي هم فيه، وإن أيدناهم أيدنا مشروعا سياسيا تحريريا أو مشروع (ماركسي مادي تاريخي).
فالمؤيد قد نظر الى الخير (مصلحة) فأيدهم، والمعارض نظر الى الشر (مفسدة) فعارضهم. ولو أردنا تطبيق القواعد الاصولية لقلنا: (دفع المفاسد أولى من جلب المنافع).
فدفع شر التفكير السياسي التحريري أو (الماركسي المادي التاريخي) هو أولى في هذه الحالة.
وخاصة، أن الخطاب الفكري الماركسي السياسي يتطور مع الزمن لينطلق من خصوصيات الخصوصيات في المجتمع الإسلامي السني.
باختصار:
إن معارضة البعض لسيطرة الإخوان المسلمين في مصر وفي غيرها من البلاد الإسلامية على مقاليد الحكم، ليس نابعاً من معاداة مشروعهم الإسلامي فإن هذا لا يقول به عاقل، بل كون الإخوان المسلمين قد برمجوا برمجة فكرية سياسية قائمة على مفاهيم ونظرات حزب التحرير الإسلامي، هذا الحزب الذي أقام نظريته أو نظرته السياسية خاصة على (نظرية ماركس للتفسير المادي للتاريخ)، بالتالي فإن كل من تأثر بطرحه السياسي سيجد نفسه قريبا من معسكر اليسار وعلى رأسه إيران وروسيا، بعيدا عن معسكر الإسلام السني المعتدل وعلى رأسه السعودية والأردن. وبهذا الاعتبار، وكون الماركسية هي التطبيق العملي لأسطورة الشعب المختار أو اليهود ـ زعموا ـ ، يكون المتأثر بطرح حزب التحرير السياسي قد قدم للصهيونية العالمية ماله ودمه وأرضه وعِرضه ودينه للتصرف بها كيف تشاء، علم بذلك أم جهل.
وأخيرا…
فإن المطلوب هو (فرمتة) أفكارنا السياسية وبنائها من جديد على فقه صحيح للشرع، وفقه دقيق للواقع لبنة لبنة. وبخلاف ذلك، انتظروا الدجال ولو بعد حين.