يقول ابن تيمية رحمه الله: ((إذ الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، والورع ترجيح خير الخيرين بتفويت أدناهما ودفع شر الشرين وإن حصل أدناهما)) ((الفتاوى 30/193)). ويقول: ((ومطلوبها ـ أي الشريعة ـ ترجيح خير الخيرين إذا لم يمكن أن يجتمعا جميعاً، ودفع شر الشرين إذا لم يندفعا جميعاً)) ((الفتاوى 23/343)).
قلت: بناء على هذه القواعد الأصولية، هناك من الناس من يستشرف الفتنة أو الشر فيعمل على دفع الشر الأكبر بالشر – نعم بالشر – الأصغر ويحذر منه قبل حدوثه ووقوعه، فيُتّهمُ من قبل العوام ومن بعض المثقفين لأجل ذلك في دينه أو وطنيته.
حذار يا قوم من قُصر النظر أو من الانطلاق من مقررات لديكم هي أبعد ما تكون عن الحكمة والمصلحة، بل هي الفتنة بعينها قد زُيّنت لكم على أنها الحق يكمن فيه العدل والحرية والكرامة – زعموا- .
مثال ذلك: السير في المفاوضات مع العدو لاسترداد الحقوق بعيداً عن المقاومة المسلحة.
فمن أدرك بأن المفاوضات وما يترتب عليها من تنازلات مؤلمة ـ عن بعض الحقوق ـ ستدفع شراً قادماً أكبر مما نحن فيه من الذل والهوان لزمه السير بها، وإن ترك العمل لأجل تحقيقها مع توفر القدرة والاختيار فقد خان العهد والأمانة. ثم عليه أن يَعذر من لم يرَ ما يراه، لكون المسألة من دقيق الكلام التي اختلط فيها الحق بالباطل وانقلبت فيها كثير من الموازين والمفاهيم.
وكذلك من لم يؤمن بأن المفاوضات هي أقل الضررين وأدنى المفسدتين، وأنه لا سبيل عن السير في المقاومة المسلحة لاسترداد الحقوق، فعليه كذلك أن يحترم الرأي الآخر ولا يتهمه بشيء لإفلاسه عن التوصل إلى ما وصل اليه الآخرون من بعد نظرٍ واستشراف شرٍ. ويكفى هذا النوع من الناس أن يتذكروا أن خيارهم هذا (الخيار الرافض للمفاوضات) هو خيار إسرائيل بعينه، وخيار وكلائها من الأنظمة الثورية الشمولية مثل إيران وسوريا الاشتراكية ومصر الناصرية من قبل، تلك الأنظمة التي من خلالها تقوم إسرائيل بتصدير مخططاتها وبرامجها التي تريدنا أن نقتنع بها تحقيقاً لمصالحها هي. هذا والله أعلم.
عدنان الصوص
12/12/2012