بينما ندخل في العام الجديد 2023، تبقى العديد من التحديات والنزاعات الإقليمية والعالمية مستمرة ومستجدة. ويتوقع العديد من المراقبين أن تشهد المنطقة تضاعف التوترات الجيوسياسية بين الدول الكبرى، في حين أن الانزلاق نحو الصراع المباشر قد يحدث بشكل غير متوقع أو من خلال سيناريوهات مختلفة سواءً في أوكرانيا أو تايوان أو حتى في الشرق الأوسط.
في هذا الصدد، يبدو أن روسيا – بجموحها الشيوعي الموروث عن الاتحاد السوفياتي – قد رفعت درجة توتراتها مع الغرب عبر حربها ضد أوكرانيا التي تتكمل أول عام لها في شهرين، حيث أن المواجهة الغربية مع روسيا تأخذ إلى تصاعد الأحداث يومياً، مما جعل من أوروبا مسرح مواجهة متصاعدة وبأشكال مختلفة.
في الوقت ذاته، هناك ازدياد في التوترات الأميركية الصينية، وكما وقد تطبيق الخطوط الحمراء التي أعلنتها الصين الشعبية فيما يتعلق بتايوان، وكذلك هناك ازدياد في حجم المساعدات والمبيعات العسكرية الأميركية لحلفائها في منطقة بحر الصين ورفع لمستوى الجهوزية العسكرية الأميركية لتايوان، كل هذا يشير إلى أننا سنشهد مزيدا من التحديات في الشهور القادمة والتي ستحتاج الى تعزيز تعاون دولي بين الدول العظمى لحل الخلافات وإيجاد مسارات سياسية ودبلوماسية جديدة للحل.
احتمالات حدوث سيناريو أوكرانيا أخرى في تايوان
في الوقت الذي يستمر فيه النزاع الروسي الأوكراني، تزداد التكهنات بشأن احتمال حدوث سيناريو أوكرانيا أخرى في تايوان، أو ما يطلق عليه بعض الخبراء بـ “أوكرانيا آسيوية”. فالعلاقات بين الولايات المتحدة والصين الشيوعية متوترة بسبب الخلافات المتعلقة بمسألة تايوان، وتحديد الصين الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالجزيرة، بالإضافة إلى الاتجاه الصاعد لحجم المساعدات والمبيعات العسكرية الأمريكية إلى تايوان مما يجعل تايوان تهيئ نفسها للتصعيد المحتمل.
كل هذا يحدث في ظل تصعيد الخطاب الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين، وبالتالي يكون الوضع الأمني في شرق آسيا في موقف هش ومتوتر، مما يزيد من فرص حدوث نزاع محتمل بين الدول الكبرى في المنطقة. ويبقى السؤال اذا ما كان هذا النزاع سيكون سياسياً فحسب أو سيصل إلى مستوى التصعيد العسكري والذي سيعرض الاستقرار والأمن العالميين إلى مزيد من التهديد.
التهديد النووي الكوري الشمالي
يواصل التهديد النووي الكوري الشمالي تصعيد مستوى القلق الدولي، بينما تستمر دولة كوريا الشمالية الشيوعية في تطوير قدراتها النووية والصاروخية رغم العقوبات الدولية المشددة وجهود الوساطة الدبلوماسية الدولية. إذ تطلق كوريا الشمالية دوريًا صواريخ بالستية في انتهاك للقوانين الدولية، ويثير التصعيد الكوري الشمالي إدانة دولية شديدة، بينما يواصل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بعقيدته الشيوعية الإجرامية والدجلية التأكيد على الحفاظ على مركز الترسانة النووية بزعم كونها أهمية قصوى للأمن الوطني.
وفي الجانب المقابل، فإن الخطاب الحربي المتصاعد بين الكوريتين ينذر بحادثة على الحدود بين البلدين بشكل مفاجيء. هذا وقد تعهدت الولايات المتحدة بتعزيز قدرتها العسكرية في المنطقة، بما في ذلك تعزيز الحليف الإقليمي مع كوريا الجنوبية، لتحذير كوريا الشمالية من المضي قدما في برامج تسلحها النووية.
اليابان تعزز قوتها العسكرية لأول مرة منذ الحرب الباردة
تشهد اليابان في السنوات الأخيرة تصاعدا في النشاط التسليحي النوعي والكمي بشكل غير مسبوق منذ بداية عصر الحرب الباردة. ففي العام الماضي كانت لافتاً خطة اليابان الدفاعية للعام المقبل والتي شملت زيادة نسبتها 4 في المئة في الميزانية الدفاعية، والتي تشير إلى تغيير استراتيجي في السياسة الدفاعية اليابانية.
فضلا عن ذلك، شهد العام الماضي تزايدا في التعاون العسكري الأمريكي الياباني، حيث رحبت اليابان بتواجد أكثر ديمومة للقوات الأمريكية لمواجهة التهديدات الصينية في المحيط الهادئ. وأكدت قمة أمريكية يابانية في منتصف العام على هذا التوجه الجديد لليابان، حيث اتفق الجانبان على تعزيز التعاون العسكري والأمني بينهما، مما يعني عودة قوة كبرى كانت غائبة عن المشهد لعقود، مما يعني تأثيراً جذرياً عن ميزان القوى والتوقعات والخطط الصينية العسكرية للسنوات المقبلة.
النتيجة
نتيجة لذلك، يكون الافتراض في الحالة الطبيعية أنه يتعين على الدول الكبرى، بما في ذلك الصين وروسيا، العمل معاً ومع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للوصول إلى حلول سلمية للنزاعات الجيوسياسية الحالية وتفادي اندلاع صراعات مباشرة أو غير متوقعة. وهذا يتطلب تعزيز التعاون الدولي والدبلوماسية وإيجاد مسارات بديلة لحل النزاعات. إن سنة 2023 يبدو أنها ستشهد تحديات جيوسياسية لا نستطيع التكهن بوضوح كيف ستنتهي نتيجتها، لكن للوصول لحلول سلمية يجب التحرك بسرعة وحزم نحو التفاوض والتسوية تجاه ما يهدد السلام الدولي، إلا أنه بالنظر إلى الأيديولوجيا والتاريخ الشيوعي الذي يحكم روسيا والصين، فمن الصعب تصور حصول ذلك!