العلاقات الحميمة بين الإخوان والشيوعية: اليسار الغربي وعزمي بشارة

ذكرنا في المقال السابق العلاقات الحميمة بين الإخوان والشيوعية: حزب التحرير والناصريين، أن الإخوان المسلمين قد تم اختراقهم في وقت مبكر من قبل الشيوعية والفكر اليساري، ولكن المقال كان يتحدث فقط عن بواكير هذه الظاهرة متمثلة بشكل خاص بحزب التحرير والناصريين وسيد قطب. وهنا لا بد أن يسأل أحدهم: ماذا عن حال الإخوان المسلمين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء الشيوعية؟ هل بقيت الشيوعية التي انهارت وماتت تسيطر عليهم؟! والجواب هو طبعاً نعم وللأسف الشديد، إذ أنه بسقوط الاتحاد السوفياتي وانتشار إشاعة انتهاء الشيوعية فقد حدث عكس المتوقع، فقد أخذت الشيوعية – بشكلها المنفتح وليس المتخشب – بالانتشار بكل الأشكال والطرق الممكنة تحت ستار الزعم بأنها انتهت!

فعلى بالرغم من سقوط الاتحاد السوفياتي، وكذلك بالرغم من إنزواء الحركات الشيوعية المتخشبة في زوايا مهملة، فقد كانت الأشكال المتطورة من الشيوعية مثل الاشتراكية والناصرية وحتى حزب التحرير والإخوان المسلمين (بوضعهم المخترق من قبل الشيوعية)، كان هؤلاء هم طليعة الفكر والخطر الشيوعي الجديد، والذي تمثل بتحول كامل ونهائي في الفكر الإخواني، بحيث أصبحوا ثوريين راديكاليين يسعون لإسقاط الأنظمة القائمة، ويسعون لإجراء التحالفات مع الدول التي تدور في الفلك الشيوعي مثل روسيا وإيران والصين.

وقد رأينا كيف حدث في السنوات الأخيرة تحالف الإسلام السياسي مع اليسار بقيادة المرزوقي في تونس، وكيف قاد برهان غليون اليساري المجلس الانتقالي السوري الذي يقوده سراً إخوان سوريا، وقبل كل ذلك، عبد الوهاب المسيري رئيس حركة كفاية اليسارية قبل الثورة المصرية وكيف كان يروّج للإسلاميين.

خلاصات عن ارتباط الإخوان بالشيوعية

قد يسأل سائل آخر: إذا كان من الممكن تصور ارتباط الإخوان المسلمين بالفكر الشيوعي قبل سقوط الاتحاد السوفياتي نتيجة تحالفهم مع الناصريين واختلاطهم مع حزب التحرير، فما هي الأدلة على أنهم ما زالوا مرتبطين بالفكر الشيوعي بشكله الجديد حتى مع تصور أن الشيوعية لم تنتهِ؟ والجواب هو أن الشيوعية الجديدة التي انبثقت عن البيريسترويكا (مرحلة إعادة بناء الشيوعية) تقوم على استبطان ثقافة كل مجتمع تريد الانتشار فيه، فتعمل على بالتغلغل فيه من خلال أفكاره، ففي الصين مثلاً ظهرت على شكل الشيوعية الصينية الكونفوشيوسية، وفي روسيا بوتين فإن بوتين يعلن أنه لا زال فخوراً بأنه شيوعي، ومع ذلك فهو شديد التظاهر بأنه أرثوذكسي قومي.

وهكذا فمن المرجح للغاية أن يكون الفكر الإخواني السابق الذي تم اختراقه من الشيوعية قد تحول إلى الشكل الجديد من الفكر الشيوعي المنبثق من صميم مبادئ وثقافة الجماعة، مع تحريفه في الاتجاه الثوري المطلوب بدلاً من الإصلاح الذي يتناقض تماماً مع الفكر الماركسي والشيوعي الثوري.

تقول المستشرقة البولندية أجنيشكا بيوتروفسكا (بتصرف): “إن تنظيم الإخوان نتاج فكر الماركسية والاشتراكية النازية الألمانية، فخلال الربيع العربى وبعدها بوقت قصير قامت وسائل الإعلام النيوليبرالية، بفرض نظرية «الإسلام المعتدل» وتعاطفت مع الإخوان المسلمين. كنت سأرى الاسلام السياسى بالأحرى ينتج عن الأفكار الثورية الماركسية التي، مع ذلك، تتشارك مع الاشتراكية الألمانية النازية الكراهية نحو الليبرالية والبرجوازية والتى بدأت تتبلور فى بداية القرن العشرين. أعترف أننى مهتمة جدا بتأملات المؤلفين العرب حول الفسيفساء الايدولوجية فى العالم العربى بما فى ذلك ارتباطات الإسلام السياسى بالماركسية، وربما يومًا ما سأتمكن من ترجمة شيئا عن هذا الموضوع”.

ويقول د.مطلق سعود المطيري: “أقرب فكر للإسلام السياسي هو فكر اليسار السياسي، فكلا الفريقين يعمل وفق رؤية عدمية لاترى الحياة إلا في نهايتها!! وتأخذ من صلاح الفرد دستوراً لصالح الأمة.” انتهى. ويقول تقرير بريطانى (بتصرف):” «الإخوان» استخدمت اليسار للوصول إلى الحكم وتلميع صورتها دوليًا، وذكر الموقع أن جماعة «الإخوان» فى العالم العربى وجدت ما يسمى «اليسارية الإسلامية فى أوروبا» منفذًا لها لتلميع صورتها، مستغلة الدعاية التى يروج لها نشطاء «اليسار» لتبرئة الإسلاميين المتطرفين من الإرهاب والعنف، وأن دخول أجنحة من اليسار العربى فى فلك الإسلام السياسى بدفع من منظرين غربيين منح جماعة «الإخوان» الإمكانية فى تلميع اسمها بمشهد الانتفاضات العربية، تحت عناوين وشعارات اجتماعية وسياسية لم تستخدمها طيلة مسيرتها.”

الإخوان المسلمين واليسار الأوروبي

أما في أوروبا وخاصة فرنسا، فقد حذر مفكرون ومسؤولون من خطر انتشار اليسار الإسلامي في أوروبا، (بتصرف): “اتخذ مصطلح اليسارية الإسلامية أو اليسار الإسلامي، الذي استخدمه الفرنسيون لوصف اليساريين المتحالفين والمتعاطفين مع الإسلاميين المتطرفين والمتغاضين عن مخاطر النزعات الانفصالية، منحى متطورا طوال العقد الأخير في الحالة العربية، متجاوزا حيز الأطروحات الفكرية والتصورات الأكاديمية لبعض المفكرين إلى عقد تحالفات بالمكاتب المغلقة وميادين التظاهر للمنتمين إلى تيار اليسار الراديكالي وجماعات الإسلام السياسي… واكتظاظ إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بهم (اليسار الإسلامي)، والتي كان لها الإسهام الأكبر في دعم أصحاب التوجهات اليسارية الراديكالية بشخصيات ومؤسسات معروف علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين.”

“عندما تأثر بتلك المقولات العشوائية الآلاف من الشباب النشط بتيار اليسار الراديكالي الغربي، وقادته للانضمام لتنظيمات تكفيرية إسلامية كداعش بالعراق وسوريا وغيرهما… وضح التجلي الأبرز حديثا بالحالة العربية في التحالف الذي دشنه الناشط اليساري الفلسطيني عزمي بشارة مع جماعة الإخوان، ومجمل فصائل الإسلام السياسي، مازجا عبر صيغ لفظية مراوغة بين خطابات وأطروحات قومية عروبية وإسلاموية… مروجا لدولة دينية ومدنية ولمشروع الإخوان في السلطة وللقيم الديمقراطية والحريات بنفس الوقت.. ما جعله يحتل مقعدا متقدما لدى دوائر هذا التيار في الغرب، مدافعا بمقولات رموزه عن أحقية الإسلام السياسي في تمثيل الشعوب العربية، ومجادلا بالمصطلحات والأفكار اليسارية الثورية عن نضال إسلامي ثوري مزعوم في مواجهة الثورات المضادة المدبرة من قبل أجهزة الدولة العميقة.”

“منح هذا الافتتان بين التيارين مزايا متبادلة، وسعت أجنحة يسارية لتعويض العزلة التي يعاني منها مجمل هذا التيار بعد أفول نجمه في أوائل تسعينات القرن العشرين عبر الاستفادة من الانتشار الجماهيري الواسع لتيار الإسلام السياسي… الإسلاميون الذين أخفوا تأثرهم بالفكر الشيوعي واستثمار مقولاته، خاصة بعد الفشل الذي لازمهم مع تقوقعهم على أصوليتهم المغرقة في استنساخ النموذج الإسلامي القديم، نجحوا في احتلال مكانة اليساريين الجماهيرية عبر السيطرة على عقول وقلوب البسطاء والمهمشين بعد أسلمة المقولات اليسارية وامتلاك المقدرة المادية على توفير خدمات صحية وتعليمية فشلت في توفيرها الحكومات خلال تلك المرحلة.”

“في حين كانت الأحزاب اليسارية لا تقوى على تنظيم مظاهرة، كان المنظرون الإسلاميون يزعمون أنهم بديل للشيوعية بنسخة إسلامية لنصرة الفقراء والمستضعفين، وظن بعض اليساريين أن التقرب من القوى الإسلامية التي باتت تمتلك شبكة هائلة من المدارس والمستشفيات الخاصة والمساجد والأحزاب والمؤسسات الاجتماعية والخيرية، سيعيد لهم قوتهم بالشارع من خلال جمهورهم وسط الطبقات الدنيا في المجتمع…. حظي الإسلاميون عبر تلك التفاهمات بمفكرين ومنظرين غربيين داخل تيار اليسار الراديكالي ينفون عنهم طبيعتهم الفاشية الرجعية، ويروجون لهم لدى الحكومات والمؤسسات الغربية باعتبارهم البديل القادم كحركات تقدمية مناهضة للظلم الاجتماعي، ما عوض جماعة الإخوان عن عدم مقدرتها على التسويق لنفسها باستخدام شعارات الليبرالية والديمقراطية.”

“جزء من اليسار في المغرب، خاض تجربة التحالف مع فصائل إسلامية، كتحالف العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، والتقدم والاشتراكية ذي التوجه اليساري، وتحالفَ يساريون مغاربة مع جماعة العدل والإحسان تحت عنوان حركة 20 فبراير، قبل أن تنسحب الأخيرة منها، ضمن محاولات لنقل تجارب تقارب جماعة الإخوان في مصر مع اليسار الراديكالي وحركة النهضة في تونس من الجبهة الشعبية اليسارية. فشلت جُل هذه التحالفات نتيجة انتهازية الإسلاميين الذين يعملون وفق خطة موحدة، مؤداها توظيف التيار اليساري تكتيكيا ومحاصرته استراتيجيا بغرض الخروج بأقصى استفادة من جهوده، ريثما يقضون عليه وعلى مشروعه التحرري تمهيدا لانفرادهم بالسلطة”.

“الانبهار في البداية بشعارات إسقاط النظام قاد كيانات يسارية عراقية لا تملك نفس قوة الإسلاميين في الشارع، إلى الوقوع ضحية انتهازية الإسلام السياسي، وظلت تبحث لها عن قدم في العملية السياسية دون جدوى… ما يحول دون تحقق خطط الإسلاميين واليساريين ويقلل من جدوى تلك النشاطات تراجع سمعة التيارين اليساري والإسلامي في الداخل العربي، نتيجة تركيزهما على المظاهرات والحشد الجماهيري دون العمل السياسي والحزبي، علاوة على العنف الذي تورطت في ممارسته جماعة الإخوان، ما أدى إلى فقدانها حاضنتها الشعبية، مكررة سيناريو انحسار المد اليساري في أوائل التسعينات.”

دور عزمي بشارة في الربيع العربي

نشرت الشرق الأوسط «اليسار القومي» المستلب من «الإسلام السياسي» قصة ملخصها عزمي بشارة، وهي قراءة في الجذور التاريخية للتلاقح السياسي بين اليساريين والإسلاميين (بتصرف): “هذه ليست قضية يتيمة جرت أحداثها على الساحة المحلية السعودية بشكلٍ منفصل عن السياق العام لعلاقة بعض – وأشدد هنا على كلمة بعض – كتل اليسار واليسار القومي العربي بالإسلام السياسي، فالسعي الحثيث لتحالف يساري قومي – إسلامي قد تجلى في المؤتمر القومي – الإسلامي الثاني الذي نظمه مركز دراسات الوحدة العربية عام 1997 في بيروت وقدم خلاله مفكرون وباحثون قوميون واشتراكيون اقتراحات تدفع باتجاه بناء مشروع سياسي قومي عربي – إسلامي عن طريق تعريب وعقلنة الإسلام السياسي، والتنازل عن شرط علمانية الدولة في الوعي السياسي القومي العربي”.

“وردت معلومات غزيرة، من جهات مختلفة، تفيد بأن عزمي بشارة قدم استشارات لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا، وأنه كان أحد العقول التي صاغت «التحالف الوطني»، وذلك بتكليف من أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني. عزمي بشارة، ذلك اليساري العتيق ذو الجذر الرومي الكاثوليكي، الذي تحول لناشط إصلاحي – سياسي إسرائيلي، واصل تحولاته، فأصبح مدافعا جهوري الصوت عن الإسلام السياسي في تجليه الإخواني، مع مزج خطابي مراوغ بين العروبية والإسلام!” “يتدثر عزمي بشارة بلحاف الحقوق أثناء دفاعه البليغ عن الإخوان، ولا يتوقف عند المفترق الخطير الذي يتبين عنده أن المشروع الوجودي للإخوان هو «الدولة الدينية» التي هي مشروع يلغي ما اشتغل عليه، وانشغل به، عزمي بشارة طيلة عقود، أقصد «الدولة المدنية الديمقراطية».”

زاهر طلب
6/5/2022

 

 

Scroll to Top