النهوض الحضاري بين تراث الحضارة الإسلامية والاقتباس من الغرب

انتشار المقولات النمطية حول النهوض الحضاري

تنتشر بين بعض الشباب الإسلامي الكثير من الأفكار النمطية والسطحية عن النهوض الحضاري، من مثل قول أحدهم: “لخص عمرو بن العاص رضي الله عنه مفهوم الدولة في سطر واحد قبل أن يأتي جون لوك وأوغست كومت وغيرهم من علماء علم الاجتماع الغربيين ويوضحوا مفهوم الدولة في مجلدات تعجز عن قراءتها وفهمها في سنين. حيث قال: “لا سلطان إلا بالرجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل”.

وهي أفكار واقتباسات كثيرة ومتنوعة التوجهات، وتكون عادةً مجتزأة من سياقها الخاص في التاريخ الإسلامي، وللأسف تقع في تعميمات واختزالات مخلة بالواقع المعاصر، ومع ذلك فهم يحسبون أن فيها الحل الجذري والنهائي لمشاكل العالم الإسلامي، وذلك بمجرد إسقاطها على الواقع الذي يختلف في سياقه وشكله اختلافاً كبيراً عن سياق واقعها.

فهم غالباً ما ينطلقون من أمجاد التاريخ التراث الإسلامي، والذي ليس هو نفسه دين الإسلام الكامل، لكن بافتراض ضمني أنها جزء من الإسلام أو أنها مقولات منزهة مثل الإسلام، وخاصة منها ما يتعلق بالنظام السياسي والدولة وشكل نظام الحكم، فدين الإسلام كامل وتشريعاته القانونية والسياسية كاملة، لكن شكل النظام السياسي الإسلامي في التطبيق العملي قد لا يكون مكتملاً، لأنه لم يتمكن من الاستقرار ولم يكن يحتوي على عناصر تساعد على حفظه واستقراره، مثل التي أدت لحفظ القرآن ثم السنة والتشريع الإسلامي ككل، وهذا يؤكد بأن شكل النظام السياسي هو شأن دنيوي يتطور بتطور العصور والأمم، ويقترب من الكمال أو يبتعد بحسب حال الشعوب، وليس جزءاً أصلياً من دين اﻹسلام الكامل.

هل شكل نظام الحكم جزء من الإسلام؟

ربما يكون نظام الحكم الراشدي القائم على انتقال السلطة بالشورى قد انتهى سريعاً بسبب عدم وجود قواعد أو دستور ثابت يساعده في الاستمرار والبقاء مثل ما وجد لاحقاً في دساتير وأنظمة الحكم المعاصرة، كما أن جزءاً كبيراً من الأطراف المختلفة يرغب بحكم وراثي، حتى بين شيعة  سيدنا علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، ومع أن المقارنة لا تصح عبر الأزمنة بهدف إصدار حكم، ولكن فقط نريد أن تساعدنا في فهم ما حصل.

هنا يجب أن نسأل لماذا انتهى نظام الحكم الراشدي  بهذه السرعة وحل مكانه نظام حكم وراثي؟ في حين بقي القرآن والسنة والتشريع والحكم بما أنزل الله محفوظاً؟ وذلك مقارنةً على سبيل المثال بنظام الحكم الأمريكي الذي يحتوي في دستوره على نصوص تكفل حفظه وانتقال السلطة سلمياً، وتحدد الحلول بوضوح في كثير من السيناريوهات وحالات الطوارئ المحتملة، والذي بقي بالفعل صامداً لثلاثة قرون برغم وقوع حرب أهلية.

في المقابل نجد أن طريقة اختيار سيدنا عمر ابن الخطاب كخليفة كانت غير طريقة اختيار أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ثم كانت طريقة اختيار عثمان ابن عفان بواسطة لجنة عيّنها عمر ابن الخطاب مختلفة كذلك الأمر، وذلك طبعاً في خطوة نحو تطوير نظام أفضل، ولربما لو لم تقع الفتن اللاحقة لاستمر شكل نظام الحكم الراشدي بالتطور حتى يصل إلى النضوج، ولكن الأولوية لدى الصحابة كانت لحفظ أصل الدين وهو القرآن، ولربما جاز الاستدلال من ذلك بأن شكل نظام الحكم نفسه ليست جزءاً من الدين، وإنما هي جزء من أمور الدنيا وتطوراتها، فلو كان  جزءاً من الدين لوجب أن يهتم الصحابة أكثر بتطويره، وأن يظل محفوظاً ويكون مكتملاً بوضوح منذ البداية، شأنه شأن باقي الأحكام الشرعية الكاملة المنزلة والمحفوظة.

سؤال وجواب حول تحقيق النهضة الإسلامية

في الحوار مع بعض الشباب من متبني مثل تلك المقولات، يمكن نقل الحوار على شكل سؤال وجواب كما يلي:

المنهج الرباني مقابل المنهج البشري

سؤال: اتفق معك بأن التجربة الإنسانية على مر العصور يشوبها القصور في بعض الجوانب، فهو حال البشر لأن الكمال ليس من طبع الإنسان. ولكن أنا أتكلم عن المنهج وليس التجارب الفردية أو الجماعية، فقد كان العرب قبل الإسلام قبائل متناحرة يأكل فيها القوي الضعيف، وتقوم حياتهم على النهب والسلب والسبي والتعصب الأعمى للقبيلة، ولم تكن لهم دولة بالمعنى الحديث، حتى أتى الرسول عليه الصلاة والسلام ووضع أسس الدولة التي استمد تعاليمها من الله تعالى، حيث لم يكن ينظّر من بنات أفكاره بل يطبق المنهج الرباني، ولايمكن مقارنة منهج موضوع من عند الله بمنهج من تفكير البشر، بمعنى آخر أنه لا يمكن مقارنة منهج كامل بآخر يشوبه النقص.

جواب: الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من عند الله هو دين كامل من عقيدة وكتاب القرآن ومنهج تشريعي، وهذا مختلف عن شكل النظام السياسي وطريقة النهوض الحضاري الذي تم تركه لاجتهاد البشر، فيمكن أن تنشأ مثلاً دولة ديمقراطية وأحكامها اسلامية، مثل ما توجد كذلك دول ديكتاتورية وأحكامها علمانية، والعكس صحيح، المشكلة هي في أخذ الاجتهاد البشري حول شكل النظام السياسي في العصور اﻹسلامية والظن بأنه منزل أيضاً من عند الله مثل التشريع الأساسي، وبسبب ذلك ظهرت دولة داعش وتنظيم القاعدة للأسف الشديد!

فحتى التشريعات الإسلامية فهي مرنة لدرجة أنه لا يمكنك أن تصدق أن بعضاً من القوانين المعمول فيها في أوروبا هي مشتقة باﻷصل من الفقه المالكي الذي ورثت  إسبانيا بعضه من دولة الأندلس اﻹسلامية، بمعنى آخر هل تعلم أنك اذا كنت تعيش في دولة أوروبية تطبق معايير عالية من العدل بين الناس فأنت تعيش في دولة راشدية من ناحية تطبيق العدل من وجهة نظرهم؟ لكنها طبعاً دول غير إسلامية مع فروقات أخرى كثيرة تتعلق بالدين والثقافة وغيرها.

وهل تعلم مثلاً أن المفكر جودت سعيد يعتبر الاتحاد الأوروبي هو المهدي المنتظر؟ لا شك أنها مبالغة، لكن فيها شيء من الحقيقة يستحق التأمل، فهو حقاً مهدي العدالة المنتظر بالنسبة للشعوب الأوروبية، والذي لم يروا مثيلاً له في تاريخ أوروبا عبر أكثر من ثلاثة آلاف سنة.

الخلط بين المنهج الرباني والتراث الإسلامي الحضاري

سؤال: اتفق معك. لكن الذي أطلبه منك أن تتعمق في دراسة المنهج الرباني ولا تلتفت لتجارب البشر، أتمنى أن نتمكن كشباب عربي مسلم متعلم ومنفتح على العالم أن ننفض الغبار عن إرثنا وحضارتنا ونقدم نموذجاً في قالب حديث يقوم على موروثنا الحضاري والثقافي. يا أخي نحن أمة عظيمة كما قال الله تعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، أنظر للتنوع الثقافي والاجتماعي في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، هل تعلم أن المدينة التي لا يجوع فيها أحد على مستوى العالم هي مدينة الخليل في فلسطين؟!

أنظر للحضارة العربية الإسلامية في الأندلس! مازالت لأسماء المدن في إسبانيا عربية الي وقتنا الحاضر، كبلد الوليد على سبيل المثال، وللآن ما زالت جامعات العالم تدرس فن العمارة الإسلامية وفنون الخط العربي والخوارزميات، نحن حكمنا العالم حتى الحرب العالمية الأولى، وعندما ابتعدنا عن المنهج فقدنا كل شي، وأصبحنا مشردين حول العالم وتنهك بلداننا الحروب والنزاعات. لم نتقدم للأسف! لأننا أصبحنا بلا هوية وابتعدنا عن إرثنا وثقافتنا، أصبحنا مسخ مشوه لحضارة غير واضحة المعالم تقوم على التقليد الأعمى.

جواب: هذا  الكلام هو نفسه يتكرر منذ مئة سنة، إنه كلام جميل وعاطفي ولكنه لا يكفي، فالنتائج ظاهرة أمامنا الآن، ماذا قدم الإسلاميين بعد مئة سنة؟ إننا نحتاج لتطوير المنهج جذرياً بدون تحريف أسس الإسلام طبعاً كما يفعل بعض المندسين مثل الشحرور، هل عندك مثلاً إجابات للتحديات الجديدة في هذا العصر غير قصص مدينة الخليل والأندلس التي هي جيدة كروايات للتاريخ وليس لبناء المستقبل؟

إن العالم قد تمكن من إطعام ثلاثة مليارات جائع حول العالم ونحن لا نزال نتكلم عن مدينة سكانها نصف مليون! أو عن مرحلة عمر بن عبد العزيز والعالم الاسلامي آنذاك لم يصل تعداده إلى عشرة ملايين نسمة! لقد تحدث مالك ابن نبي عن الفرق بين العربي والياباني في التقليد، وباختصار هي أن العربي يذهب للبقالة الغربية ويشتري أفخم البضائع ويظن أنه قد واكب التطور، بينما يذهب الياباني ويعمل عند البائع ويصبح محترفاً في المهنة والتجارة، ثم يعود الى بلاده ويفتتح فيها المهنة بنفسه، إنه فرق بسيط وواضح، ومن الواضح كذلك تعلم المهنة أو الحرفة الحضارية الغربية لن يؤدي الى فقدان الهوية الحضارية، فهل سمعنا بأزمة هوية في اليابان مثلا؟

لماذا لا نعود لأفكار ابن خلدون؟

سؤال: إذا أردت أن نعرف المنهج الحديث للدولة لماذا لا نرجع لابن خلدون ومقدمته الشهيرة عن السياسة والحكم، ونجد أن ما يطبقه العالم الآن هو نفس ما كتبه هذا العالم سنة ٧٠٠ للهجرة، أي قبل كل علماء السياسة المعاصرين!

جواب: إن عقلية النظر الى العالم بمنظور العصور الوسطى هي عقلية تتجاهل ملايين التطورات الجديدة التي حصلت، فلقد اكتشف الإنسان ضعف مساحة الكرة الأرضية منذ ذلك الحين وتغيرت الجغرافيا السياسية، وتغيرت كثير من المفاهيم الاقتصادية والحضارية بشكل جذري، ويُعد استيعاب كل هذه التغيرات استيعاباً حقيقياً شرطاً لإمكان النهوض بتطبيق المنهج الاسلامي الأصيل من جديد.

اما أن يتخيل المرء مثلاً أن طريقة نهوض المسلمين من جديد هي فقط بتحرير القدس وإعادة دولة الخلافة! إذن ما الفرق بين هذه الفكرة وفكرة النهضة في عصر صلاح الدين؟ ماذا تعلمنا من اكتشاف القمر والمريخ والثورة الصناعية والنفط والتكنولوجيات الهائلة التي تحول الصحراء الى جنات مثلا؟ لقد كان ابن خلدون مؤسساً لجزء من علم الاجتماع فقط، ثم قام علماء الاجتماع الغربيين بتأسيس أجزاء أخرى أكبر مما سبقها، لكن هل فكر ابن خلدون له علاقة بواقع القرن التاسع عشرة مثلاً حتى يصلح لهذا القرن؟

سؤال: سبق وأن قلت أن الأزمة أزمة أفراد وليست أزمة منهج! هنا الفرق! المشكلة في الأفراد وليست في المنهج. نحن نريد بناء مجتمعات ودول تشبهنا وعلى مقاسنا، كما أنه لم يسبق أحد ابن خلدون في وضع منهج علم الاجتماع السياسي.

جواب: نعم هذه المشكلة بالضبط، جميع الشعوب لها تراث وهوية، وتنجح في المؤاءمة بينهما إلا نحن، بسبب أننا نعتبر جميع ما جاء من التراث مقدس مثل القرآن ويحرم تعديل أي شيء فيه، واذا تم التعديل فيكون تعديلاً صورياً لا يمس جوهر العمل المطلوب، لكن ليس المطلوب هو تحريف الاسلام مطلقاً كما يصيح العلمانيون، المطلوب هو فهم الاسلام وكأنه أنزل إلينا اليوم في هذا العصر.

ثم أخبرني ما هو بالضبط منهج ابن خلدون؟ وكيف أن ما قدمه الغربيون لا يختلف عنه بشيء؟ هات أمثلة واضحة، فالأمر ليس مجرد ادعاءات فقط. طبعاً ذلك عندما نتجاوز عقليتنا القديمة، إذ لا يزال البعض مثلاً يتخيل بأن عملية دخول العصر الحديث هي مجرد بدعة غربية وسوف تزول عندما تعود قوة الإسلام! والمتطرفون في هذه الرؤية يتخيلون حتى عودة الخيل والسيوف! لا أقول بأن الجميع يوافقون على الترهة الأخيرة، لكن على الأقل لو طلبنا من أي شخص أن يعطينا تخيلاً لأمنيته في عودة عزة الإسلام، سيكون التصور هو عبارة عن تكرار للتاريخ الاسلامي الماضي،  مثلاً: عودة الخلافة، تحرير القدس وفلسطين، تحرير الأندلس الخ، لا يزالون على فكرة دار حرب ودار إسلام، الخ، حتى الذين خرجوا من هذه الفكرة الاجتهادية هم متأثرون بها، هناك مثلاً عدم إدراك كافي لعمق حقيقة أن عدد سكان الكوكب حاليا أكثر من 100 ضعف ما في كل العصور السابقة.

أهمية فهم العالم بشكله الحديث

هناك مثلاً عدد من المشاكل الكبرى على مستوى العالم بأسره لم يسبق لها أي مثيل:

1- ازدياد هائل ومضطرد  في عدد السكان، كما انتهت النظرة القديمة بأن الحضارات تقوم على ضفاف الأنهار وما شابه.
2- إمكان إقامة حضارة تفوق حضارة الرافدين في صحراء مثل دبي، بفضل التكنولوجيا الحديثة.
3- مفهوم الموقع الجغرافي الاستراتيجي التقليدي أيضاً قد تغير بسبب توفر الطائرات وحاملات الطائرات والمواصلات حول العالم، بمعنى لم يعد شرطاً أن يكون انطلاق الحضارة الاسلامية من جديد من نفس الأماكن التي كانت  في التاريخ، مثلاً من الشام أو العراق أو مصر، وخاصة أن هذه الأقاليم واقعة تحت ضغوط هائلة من الصهيونية لمنع نهوضها.

4- تعلمنا من تاريخ زوال دولة المسلمين في الأندلس والتي بقيت  800 سنة، أنه مع بقاء المحيط نصرانياً ستكون هزيمة المسلمين ليست مؤقتة وإنما نهائية مهما طال الزمن، ونستفيد درسا بأنه إذا لم تدخل كل أوروبا في الاسلام فربما لا فائدة مستدامة من فتح بلد أوروبية واحدة فقط.

5- ما يجري حاليا في أوروبا من أمرين: هجرة عربية وإسلامية وتكاثر سكاني إسلامي واسع النطاق، مقابل نقصان سكاني بين الأوروبيين، يشير إلى أن أوروبا برمتها على وشك التحول إلى قارة (أندلسية) إسلامية بحلول 2050، حيث هكذا تتوقع كثير من الدراسات الأوروبية نفسها، ولكن طريقة حدوث ذلك لن تتم عبر فتح عسكري، وانما بطرق جديدة لا تشابه حتى طريقة فتح بلاد السند والهند.

6- إن خريطة العالم الحديث بعد اكتشاف كثير من القارات والمناطق التي كانت مجهولة في العصور الاسلامية الذهبية، رسخت تغيرات جغرافية سياسة كبرى لم نستوعبها حتى الآن حق استيعابها. ولنأخذ أمثلة:

أ- اكتشف الأوروبيون قارتين كبريين وأطلقوا فيهما حضارات مدنية كبرى وخرافية في نتائجها العلمية والاقتصادية، والخ.
ب- اكتشف تاريخ تطور الجنس البشري بأنه على المدى البعيد من التاريخ الموغل في القدم، كان الانسان قد بدأ حضاراته في إفريقيا، مما يعني أنه على المدى البعيد في المستقبل ليس من الضرورة أن تظل أوروبا أرضا غربية، بل قد تتحول مثلاً إلى أرض عربية إفريقية بشكل نهائي.

ج- الاكتشافات العلمية الكبرى في الجينات البشرية غيرت النظرة التقليدية للأجناس البشرية بأنهم أمم مختلفة تماماً، حيث ثبت بأن جميع أجناس البشر أقارب، وتتطابق الجينات بين أبعد شخصين في العالم بنسبة 99.9%.
د – إن جميع الاختلافات الثقافية والتاريخية والاجتماعية بين جميع الأجناس البشرية هي أيضاً اختلافات شكلية، مما يجعل جميع البشر أمة واحدة ولكن بأديان مختلفة.
هـ – يواجهة الكوكب والبشرية جمعاء تحديات كبرى لا يمكن لأي دولة ولا حتى حضارة كاملة لوحدها مواجهتها، مثل الأوبئة العالمية والاحتباس الحراري والانقراض الجماعي الهائل في الحيوانات والغابات، وتغير النظام البيئي، الخ، مما يفرض تعاون الجميع من جميع الحضارات والأجناس للخروج من هذه الأزمات التي أصبحت تهدد بقاء الجنس البشري بأسره.

من جميع ما سبق نسأل:

متى يدخل العقل العربي والإسلامي بشكل حقيقي في فهم العصر الحديث حق فهمه؟

خاصة وأن جميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، ومنهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته والقرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، كانوا قد يواكبون التطور في العصور التي عاشوا فيها كما يجب بشكل كامل، فمثلاً، النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفض استعمال السيف الفولاذي، ولم يصر على استعمال الادوات الحجرية بحجة أن الحديد لم يكن مكتشفاً زمن سيدنا ابراهيم عليه السلام، ولم يرفض استعمال أو فهم الأمور المعاصرة له كما يجب، مثل إرسال الرسائل المختومة الى الملوك حسب القانون والُعرف الدولي الشائع في عصره.

تجربة عمر ابن عبد العزيز في القضاء على الفقر

سؤال: منهج الرسول صلى الله عليه وسلم منهج رباني من عند الخالق وليس البشر! فإذا طبق هذا المنهج الرباني لن تستطيع أمة أن تقف في وجهه! كيف تقارن منهج من عند الله مع منهج من وضع البشر! هل تعلم أن الاقتصاد الإسلامي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ١٤٠٠ سنة! وعندما طبقه المسلمين استطاعت الدولة الإسلامية أن تصبح أغنى ممالك العالم. الخليفة عمر بن عبدالعزيز عندما طبق المنهج الإسلامي الاقتصادي لم يعد هناك جائع في الدولة الإسلامية! لدرجة أنهم لم يجدوا من يعطونه الزكاة! لم يعد هناك فقير في الدولة. السؤال؟ كيف استطاع عمر بن عبدالعزيز أن ينجح في القضاء على الفقر نهائيا في دولته؟ وإذا كان عمر قد نجح في ما عجزت عنه حكومات العالم، وجب علينا دراسة هذه التجربة واتباع نفس المنهج، وبالتأكيد سنحصل على نفس النجاح.

جواب: هلا فكرت لنا في وضع خطة نستطيع عند تطبيقها التقليل من الفقر خلال ٢٠ سنة في بلد مثل اليمن أو سوريا، فلعل هذه الخطة تشكل نموذجا نحتذي به. ولكن قد كان زمن عمر ابن عبد العزيز مختلف جذرياً، ليس القصد أنه لا يصلح تطبيق الاسلام الآن، الذي لا يصلح هو تطبيق الإسلام بقالب أو سياق حضاري ومفاهيم دنيوية مستمدة من العصور الوسطى، ولحل المشكلة، نعمل على فهم العصر الحديث حق فهمه، ونقوم بتطبيق الإسلام الأصلي بجوهره باعتبارنا بشراً معاصرين، وبهذا الشكل نستطيع تطبيق الاسلام لإطعام خمسة مليارات جائع بطريقة إسلامية وتتوافق مع معطيات العصر في نفس الوقت، لأنه من المستحيل فقط بطريقة عمر ابن عبد العزيز من ناحية سياقها الحضاري أن نطعم أكثر من مدينة الخليل! أتحدى لو تقدر تطبق هذه التجربة في مدينة عمان مثلا! هذا جيد لكنه قد لا يكفي، وهو لم يكن كافياً مثلاً للقضاء على الفقر في زمن الخلفاء الراشدين!

هناك أناس يفهمون عمق هذا العصر، ولكن أغلبهم علمانيين، ويقدمون رؤى خليطة من حق وباطل، وهذه الرؤى برمتها يتحسس منها تماماً الإسلاميين ربما عدم استيعابهم الكافي لخصائص العصر الجديدة، طبعاً لا يمكن لوم أحد، لأنه عصرٌ معقد حقاً، لكن المطلوب هو إدراك أنه حان وقت  معرفة مثلاً أن أوروبا أقامت نهضة أكبر من نهضة المسلمين الأولى من دون أن تتوحد مثلاً في دولة واحدة، لا بخلافة دينية بابوبة ولا بامبراطورية دنيوية رومانية، بل فشلت كل محاولات إعادة توحيد أوروبا من نابليون إلى هتلر، ولكن بعد إقامة حضارتهم اتحدوا سلمياً في الاتحاد الاوروبي.

هل يجب علينا تقليد الغرب؟

سؤال: الغاية أننا نصل الى حقيقة أنه هل نحن كعرب ومسلمين بمختلف اتجاهاتنا نملك مخزون وموروث ثقافي قادر على حل مشاكلنا ومشاكل العالم والوصول بمجتمعاتنا لمرحلة الرفاه في وطن يسع الجميع؟ أم أننا فاشلين ويجب علينا اتباع دول الغرب من دون نقاش؟

جواب: نتبع دول الغرب في البداية، وبعد ما نفهم الدنيا والواقع المعاصر بعمقه الحقيقي، نرجع الى تراثنا الحضاري ونفهمه بطريقة صحيحة تناسب سياق العصر ونحاول تطبيقه. وبدلاً من مشروع جامع، نبدأ بمشروعات محلية، وسوف ينتقل الى الآخرين بتأثير العدوى، ولكن بما يناسب احتياجات كل مجتمع، أصلا المسلمين منذ عصر العباسيين لم يعودوا مجتمعاً واحداً! فمن أين تأتي بطريقة واحدة لجميع المسلمين؟

سؤال: نحن الآن نقلد الغرب تقليداً أعمى ولم ننجح!

جواب: إذن لنقم بتقليدهم بطريقة واعية مثل اليابانيين! المشكلة ليست في التقليد بحد ذاته، المشكلة هي في التقليد بشكل أعمى، هذا سيدنا عمر ابن الخطاب أبقى على الدواوين الرومانية في الدولة ونجح! في البداية أنت مضطر للتقليد ثم تصبح مبدعاً، مثل الصين كذلك الأمر، هل الصينيين الآن يعتبرون فاقدين لهويتهم الحضارية لأنهم في آخر 30 سنة من نهاية القرن الماضي كانوا يقلدون نهضة الغرب؟!

لماذا نقبل علوم الأمم اﻷخرى وهي أقل منا شأناً!

سؤال: اليابان دولة ثقافتها مختلفة عن ثقافتنا، نحن أغنى منها ثقافة، فكيف نتبع من هم أقل منا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق عمل برأي سلمان الفارسي ونجح وكسب الحرب، ونعم سيدنا عمر رضي الله عنه استعان بأهل الخبرة من الأمم الأخرى، لا خلاف عندي حول هذا الأمر، كلامي هو أنه نحن قادرين أن نقدم نموذج ممتاز وناجح للعالم ونابع من ثقافتنا وموروثنا.

جواب: كل شعب له رسالة خاصة يتميز عن غيره بها، ويقلد باقي الشعوب بالأمور الأخرى، فنحن المسلمين رسالتنا هي الإسلام والإيمان بالدار الآخرة، فلا يمكن لشعب أن يتفوق بها علينا، وفي باقي الأمور أحياناً نقلد وأحياناً نبدع، الخ. لكن رسالتنا الإسلامية هي التي لا نقلد أحداً فيها مطلقاً، هات لنا مثلاً اختراعاً مطوراً عن الإسطرلاب الإسلامي تستطيع بواسطته اكتشاف كوكب مشابه لكوكب لأرض ويصلح لاستضافة للحياة ويقع على بعد 25 مليون سنة ضوئية! عندها سوف أرفع لك القبعة واستسلم! مشروع مسبار الأمل الإماراتي لاكتشاف المريخ مثلاً، هل حصل هذا النجاح اعتماداً على لعلم الفلك اﻹسلامي القديم؟ وهل فقد هؤلاء هويتهم العربية والإسلامية؟

سؤال: الإمارات العربية المتحدة أصبحت خامس دولة تصل المريخ عالمياً، هل قاموا بإستخدام الاسطرلاب! الاسطرلاب مرحلة والتطور من سنن الله في الأرضن أنت لم تفهم كلامي! أنا أكرر أننا نملك كل مقومات الحضارة، لأننا نملك منهج رباني لا يملكه غيرنا، كل ما علينا أن نقرأ تاريخنا وموروثنا وننفض عنه الغبار ونتعهده بالفحص والتحليل ونصبغه بصبغة حديثة ومن ثم نطبقه على واقعنا المحلي كما قلت أنت، وعندما ننجح نعمم المشروع.

جواب: تم اختراع جهاز صيني يجعل المشلول يهود للمشي من جديد، هل هذا الاختراع تم بفضل نفض الغبار عن التراث الصيني الحضاري والبوذي المستمد من اليوغا مثلاً؟! أم تم باتباع وتقليد مع تطوير على العلوم والتكنولوجيا الغربية؟ هل فقد هؤلاء الصينيون هويتهم الحضارية؟ إن منهجنا الحضاري الدنيوي كمسلمين لا يتميز حضارياً عن غيره، فقط نتميز عن غيرنا بوجود طريق للفوز في الحياة الآخرة، وهذه هي رسالة العرب والمسلمين التي يتميزون فيها ولا يقلدون فيها غيرهم، وليس بسبب الإسلام نفسه حصلت الحضارة الإسلامية، لقد كان من الممكن لهذه أن تحصل بنقل العلوم من اﻷمم الأخرى، مثل ما حصلت للفرس والروم والبابليين والمصريين وهم على جاهليتهم، لا علاقة بالضرورة بين اعتناق رسالة الإسلام وقيامال حضارة، فهناك حضارات عربية بدون إسلام، كما أن هناك مسلمين في أعلى درجات التقوى ولكنهم متخلفين حضارياً!

أما أن نقول بأن العلم والتكنولوجيا الغربية هي أفضل بقليل من منتجات الحضارة الاسلامية، هذا هراء، بل هي أقوى بما لا يقل عن مليارات المرات! ويوجد بيننا وبين مجرد فهم ذلك ثم تحقيقه سنوات ضوئية، ولهذا السبب نحن نعيش في القاع، والمشكلة الأنكى هي أننا نظن بأنه سوف نرجع أمجاد الحضارة العباسية وهارون الرشيد بمجرد إقامة دولة الخلافة! هات لنا جيشاً أوله في بغداد وآخره في عمورية! إنها مجرد مقولات تاريخية لا يمكن حتى التحقق من صحتها، أصلاً لا يمكن عملياً أن تقوم بنشر جيش فعلاً على طول هذه المسافة مع تأمين طرق الإمداد والأمور اللوجستية والخ، إنها مجرد مبالغات وأساطير ربما اعتبرت لا بأس بها كقصص لبثّ روح الاعتزاز بالحضارة والتاريخ، لكنها غير واقعية على اﻷرجح.

هل تعلم أيضاً أن المعلومة التاريخية بأنه في زمن عمر ابن عبد العزيز أصبح يوزع الطعام على الطيور بسبب عدم بقاء أي جائع، هذه المعلومة – إن كان صحيحة – هي لا تنطبق سوى على العاصمة والمدن الرئيسية، فحتى في عصر النقل الحديث اليوم، لا يزال لا يمكن الوصول بهذه السرعة في إيصال الخدمات الى عمق المناطق الريفية والجبلية وتخوم البادية، ويوجد حتى اليوم قرى كثيرة في تركيا واليمن والعراق وغيرها لا تزال تعيش حياة العصور الوسطى بمعنى الكلمة!

الغرور والفاشيّة لدى بعض اﻹسلاميين

سؤال: نعم.. الإمارات العربية المتحدة اجتهدت ونجحت وهي دولة عربية ومسلمة في هذا المضمار، هل تعلم أن البنوك الإماراتية تطبق المنهج الإسلامي في البنوك وهو ناجح بالرغم من أن التجربة يشوبها بعض القصور، لكن لا يمكن أن تغير رأي في أننا أمة عظيمة وقادرون بإذن الله أن ننجح ونعود لسابق عهدنا، يمكن أن أضرب لك الكثير من الأمثلة على نجاحنا في تلك العصور، وأن الدولة الإسلامية كانت دولة عظمى إذا ما قورنت بالأمم التي عاصرتها في تلك الحقب، ولم أقل أنه يجب أن نتعامل بعقلية القرون الوسطى ولا نغيرها.

جواب: لكن هذا تم بسبب نقل علوم اليونان، أنا لا أعظم من شأن الغربيين لأنهم غربيين، دائماً تحتاج لنقل علوم من سبقنا بالحضارة وليس علوم حضارتنا المنهارة الأخيرة، الغربيين فعلوا مثل ذلك ونقلوا علوم حضارتنا الإسلامية إليهم، هذه ليس قضية كبيرة، كما أنها ليست رسالتنا الأساسية كمسلمين، نحن نسينا أن الله كلفنا بتبليغ الإسلام وأصبح هدفنا أن نثبت للأمم الأخرى بأننا عظماء!

تريد نبني حضارة جديدة مباشرة من جذور حضارتنا المنتيهة منذ 400 سنة! الغرب نفسه لم يفعل مثل ذلك! إذ لم يقوموا بالعودة لدراسة تراثهم اﻹغريقي القديم لإطلاق الثورة الصناعية واكتشاف القمر! وإنما اقتبسوا مباشرة من حضارتنا الإسلامية التي حقاً كانت عظيمة قبل سقوطها، ليس في هذا أي عيب! فلماذا نحن الشعب الوحيد في التاريخ الذي يعتقد أنه سيعيد بناء حضارته ذاتيا فقط؟!

سؤال:  قلت بأن الفرق بيننا وبينهم هو أننا نمتلك ثوابت هم لا يملكونها، وهي قادرة أن تجعلنا أفضل منهم إذا طبقناها، خد  مثلاً أن الإسلام قد حرم الربا قبل ١٤٠٠ عام، هل تعلم أنهم قد اقتنعوا قناعة كاملة الآن بأن الربا هو السبب الرئيسي في انهيار الأنظمة الاقتصادية في بلدانهم! وإن شئت راجع الأخبار. من الذي علم العرب قبل كل شعوب الدنيا كلها بأن الربا هو سبب  تدمير الاقتصاد قبل ١٤٠٠ عام، وأن الله يمحق الربا ويربي الصدقات؟! وإن لم تنتهوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله! وإن تبتم من الربا فلكم رؤوس أموالكم!

وأضيف لك شيء بسيط، الآن هناك دراسة حديثة تتحدث عن أن الربا هو العدو الأول للاستثمار! يمكنك البحث عن الموضوع وتتأكد من كلامي! ألم نصل لهذه الحقيقة قبل ١٤٠٠ عام! نحن كأمة مسلمة! من أين أتينا بهذا الفهم وهذه الحقائق قبلهم؟ هذا هو المنهج الذي أتكلم عنه!

جواب: الغرب كيهود ونصارى قد كانوا يعلمون قبل المسلمين بأن الربا يدمر الاقتصاد، ولكن الجشع ثم البعد عن دينهم هو الذي جعلهم يطبقوه! وبكل الاحوال، هناك بنوك غربية غير إسلامية ولكن لا تتعامل بالربا! كما توجد ضرائب على الأغنياء فقط تشبه الزكاة بدون المسمى التعبدي “الزكاة”، المشكلة الرئيسية لديهم هي أنهم لايؤمنون بيوم القيامة، وبذلك يكون الربا وما شابه وكل المشاكل الأخرى هي نتيجة لذلك، أما جميع محاولاتهم لأخذ رؤى  روحية من الهند والصين فهي مجرد لعب أطفال بالنسبة لعقيدة الإسلام الربانية، فهذا الذي نتميز به كمسلمين ونحن  المسؤولين عن تبليغه، ولا تناقض هنا مع الأخذ من مناهجهم الإجرائية والإدارية فيما لا يعارض الإسلام.

هل يوجد لدينا في تراثنا طريقة لتأسيس بنك؟ طريقة إدارة البنوك المالية المعاصرة، هل هي موجودة في تراثنا؟ لماذا لا نأخذها منهم ونعدل فيها بمنع الربا؟ أم تريد أن ننهض فقط من خلال  نفض الغبار عن التراث الاسلامي فتتفوق عليهم! ما هذا الكلام يا رجل! إنها أفكار فاشيّة لدى بعض المسلمين، نحن المسلمين، في الواقع، لم نصل إلى حقيقة ضرر الربا بجهدنا يا صديقي لا قبل 1400 سنة ولا قبل سنة! إنها تنزيل من رب العالمين، فأين العظمة والتفوق والفهلوة في هذا الموضوع؟ ألا ترى كيف أن طريقة تفكيرنا الغريبة تجعل لسان حالنا يوشك أن يقول بأننا نحن الذين قد اخترعنا الاسلام ومنهاجه بأنفسها قبل 1400 سنة من الغرب؟! إن ذلك واضح من طريقة افتخارنا وغرورنا الفارغ، وللأسف نحن لا نشعر!

سؤال: القضاء على الفقر وتنمية الدول مشكلة تضج بها الكثير من المحافل العالمية، اتفق معك بوجود اختلاف في الزمن والحال عن العصور السابقة، أيضاً يجب أن نعي وبتواضع أن لا خطة واحدة قادرة على حل مشكلة الفقر، وإلا لما كنا رأيناه، وكما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “لو كان الفقر رجلا لقتلته”. وهنا يجب علينا تقديم محاولات من خلال فهمنا للواقع والاستفادة من المناهج الحديثة المطبقة لحل مشكلة الفقر، فهي أعمق من الارتباط بنظام سياسي أو ديني محدد، فهناك موارد وعلاقات وأفراد يجب تطبيق برامج مختلفة للصعود بهم، حيث تقوم محاور التنمية بحل مشكلات التغذية، والصحة، والتعليم، والمساواة وحرية المرأة، وإنعاش الاقتصاد، ومحاربة الفساد، وتحسين النظام الضريبي، وغيرها. وقد نال الباحثين استر دوفالو وابهجيت بانرجي جائزة نوبل العام الفائت في الاقتصاد عن مساهمتهما في حل مشكلة الفقر، وقد طرح البروفيسوران نهجاً تجريبياً قائماً على تقييم السياسات الاقتصادية المتبعة.

أحسنت، الموضوع هذا اصلاً يقع ضمن ما هو مسموح للمسلم أن يجتهد فيه، اﻵن ربما يقفز بيطلع لنا من يقول بأن النظام الاقتصادي الاسلامي الموروث يحل المشكلة وحده! نعم هو يرفع العراقيل التي تمنع من حل المشكلة ويساهم كثيراً بحلها، ولكنه أيضاً يترك حرية كبيرة ومساحات واسعة للاجتهاد، وهذه هي التي يجب أن نأخذ فيها جائزة نوبل، فلا تكفي أساليب عمر ابن عبد العزيز وطريقة مدينة الخليل للعصر الحالي، كيف يمكن مثلاً إجبار جميع الأغنياء على دفع الزكاة؟ إنها فريضة دينية قطعية، ولكن الدولة قد لا تكون قادرة في جميع الظروف على إجبار الناس على الالتزام بها حقاً بلا تهرب، كما أنها قد لا تكفي في جميع الظروف للقضاء على الفقر.

ثم كيف تضمن بعد توزيع الزكاة أن لا يظل هؤلاء الفقراء محتاجين لأخذ الزكاة بشكل دائم؟ كيف تصنع لهم بنية تحتية لتشغيلهم وإبعادهم عن ظروف الفقر من الأساس؟ يوجد بالفعل اجتهادات لمثل هذه الأمور في الفقه الاسلامي، ولكنها قديمة وتحتاج إلى تطوير هائل، وهذا التطوير الهائل لا يتم عبر نفض الغبار عن التراث اﻹسلامي ببساطة! لم لا نأخذ العلم الغربي الحديث وننفض عنه ما يخالف الإسلام، أليس فهذا أفضل!

زاهر طلب

كاتب وباحث

31/7/2021

Scroll to Top