ما تخشاه إسرائيل: السلام ونهوض الشرق الأوسط

استفادة إسرائيل من تهديدات محور المقاومة

في ذكرى تأسيسها السبعين، عبّر نتنياهو عن خوفه على دولة إسرائيل، مستدعيًا تاريخ دولة الحشمونائم اليهودية قديمًا في فلسطين، التي لم تدم أكثر من ستين سنة في فترة قديمة تعود إلى ما قبل 2000 سنة، وبمثل هذه التصريحات الدرامية من حين لآخر تحاول إسرائيل كسب تعاطف الحكومات والشعوب الغربية وتأييدها، وتحقق مزيد من الدعم وخاصة العسكري، وبواخصوص  تجاه محور المتاجرة بالمقاومة والذي لا يفتأ يحاول كسب الجمهور العربي بإطلاق التهديدات الصوتية بإزالة إسرائيل عن الخريطة وما إلى ذلك، وكأن هذا المحور هو في حلف ضمني غير معلن مع إسرائيل، فالطرفين مستفيدان من التهديدات، فأساس وجود إسرائيل هو مواصلة التظاهر بالمسكنة والخوف من الزوال، وعلى الرغم من أنها تمتلك آلاف الرؤوس النووية فهي لا تزال تروج لهذه اللطمية الكاذبة لضمان بقائها.

تضرر إسرائيل من دعوات محور السلام

في الطرف المقابل، فإن محور السلام هو ما تخشاه إسرائيل خشية حقيقية! ولكن يُعقل أن دولةً ما تخشى السلام؟ لا طبعا،  لكن إسرائيل ليست دولة طبيعية وعريقة الوجود في المنطقة كي ترحب بالسلام الذي يؤكد بقاء الدول الطبيعية، بل هي كيان شاذ لا يستطيع البقاء إلا بإثارة الخوف والقلق وإشعال الحروب والتغذي على التصريحات الجوفاء من الأعداء الوهميين، نعم… إسرائيل تخشى من السلام لأنه يوقف عمليات التهجير والاستيطان، فهي تخشى من معركة الحياة لا معركة الموت، فالديمغرافيا العربية ليست في صالحها، وليس من شيء يعمل لصالحها سوى حالة الحرب التي تستجلب الدعم، ولهذا هي تتظاهر بالترحيب بالسلام كي لا تخسر الدعم الغربي، ولكي تجعل الشعوب العربية تكره السلام وتكره قادتها من دعاة السلام، فكأن إسرائيل في عداء خفي مع دعاة السلام من القادة والشعوب العربية، وتعمل على تشويه صورتهم بامتداحهم والتظاهر بصداقتهم.

هناك مشكلة عويصة وصعبة على الفهم ونفس الوقت قد تكون هي الحل، وهي مشابهة لفكرة اعتبار صلح الحديبية بشروطه القاسية “فتحًا مبينًا”، فهناك رأي يزعم نظريا أن العرب لو كانوا قد واصلوا التركيز على التحديث وتحقيق النهضة والتنمية، وأجلوا قضية تحرير فلسطين ردحًا من الزمن، لكونه مطلبًا غير واقعي قبل اكتمال التحديث، لربما كانوا الآن في موقف أقوى في مواجهة إسرائيل. حيث أن إسرائيل، من بداية تاريخها قد توسعت من مجرد محافظة لها حكم ذاتي في تل أبيب، إلى الحصول على دولة مستقلة في قرار التقسيم سنة 47، والتي توسعت إلى حدود 48 عقب الحرب، وأخيرًا تضاعفت ثلاثة أضعاف حجمها فجأة بسبب حرب 67، إذن، فهي دولة غريبة عجيبة وتتوسع كلما تم شن الحروب عليها! إذا ما الحل؟

التحديث الذي يمر به الشرق الأوسط

نلاحظ منذ بدء عملية السلام فقد بدأ تقلص إسرائيل، فأصبحت مضطرة لإعادة الأرض مقابل السلام، ورغم أن القضية ليست بهذه البساطة، لأن لديهم أيضًا خططهم الجهنمية لتدويخ عملية السلام، لذلك يلزمنا إضافة إلى عملية السلام، العمل على خلق نهضة عربية اقتصاديا وفكريا ومن كافة النواحي، وبالرغم من حالة العرب المتردية حضاريًا في الآونة، فمن المحتمل أن موعد نهضة العرب الفعلي قد أوشك على الوصول، وذلك بالنظر إلى الإنجازات الكبيرة على مستوى العالم في دول الخليج، خاصة في الإمارات والسعودية، ولكن امتداد النهضة إلى باقي العالم العربي يحتاج بعضًا من الوقت، أما عملية السلام المتوقفة فقد أصبحت بحاجة إلى مزيد من التنازلات القاسية، والتي إذا نظرنا إلى نتائجها البعيدة المدى سنجدها ربما تستحقها، وكذلك بالقياس مرة أخرى على صلح الحديبية.

فعلى الرغم أنه مطلوب من شعب واحد أن يكون هو الضحية وأن يقدم أغلى التنازلات، وهو الشعب الفلسطيني بكل أسف، إلا أن هذه التضحيات لن تكون بلا ثمن، فمن المعروف في السيرة النبوية أن المهاجرين ومنهم النبي صلى الله عليه وسلم هم الذي قدموا الثمن الأغلى باضطرارهم لترك وطنهم وهو مكة المكرمة، ثم بالتوقيع على التخلي عن تحريرها في صلح الحديبية، فنالوا بذلك أعلى الدرجات مقارنة بالأنصار، ورغم أن الصلح مؤقت بعشر سنوات، لكن لم يكن من المعروف ماذا سيحصل بعد ذلك! وفي حالتنا العربية الراهنة، فإن هذه التضحية سوف تعود فوائدها على جميع الأمة العربية بتوفير إمكانية التركيز على النهوض والتحديث، بل حتى سيتعدى الأمر ذلك، إلى وضع إسرائيل في حالة من التهميش يجعلها تنحسر عن تصدر المشهد في المنطقة والعالم، ولكن كيف ذلك؟

السلام وانحسار أهمية إسرائيل

لأنه كما ذكرنا بداية المقال، إسرائيل تتغذى في بقائها على معاداة العرب لها، وتحصل على أهمية وجودها من ذلك، سواء كان ذلك بتوجيه الاهتمام المعنوي عالميا إليها فتشعر أنها دولة مهمة، أو بأخذها المساعدات الهائلة، لكن صلح الحديبية مع ذلك، كانت فيه بعض الجوانب التي هي أسوأ من صفقة القرن، لأنه ترك كامل مكة المكرمة والمسجد الحرام مع كفار قريش، فقط يكفل الحق بحج المسلمين إليه، وكأنه تم وضع القدس عاصمة لإسرائيل، لكن فقط مع بقاء حق المسلمين بالصلاة فيه! لكن تبقى إشكالية مدة الاتفاقية بين أن تكون عشر سنوات أو مفتوحة، مع ذلك لاحظنا أنه رغم قصر مدة اتفاقية صلح الحديبية، فقد سارت الأمور لصالح المسلمين واستردوا أرضهم قبل انتهاء المدة بفترة طويلة، فقد يكون من باب الأولى إذا كانت الاتفاقية غير محدودة المدة بأن تسير الأمور خير ما يرام لصالح نهضة العرب وبانحسار أهمية اسرائيل، فيتمكن العرب بطريقة أو بأخرى رغم الاتفاقية من استرداد القدس.

وفي زمن الصليبيين مثلًا، فقد تمكن الصليبيون من احتلال القدس مرة أخرى بعد وفاة صلاح الدين، حيث اضطر أحفاد صلاح الدين بسبب خلافاتهم والحملات الصليبية الكبيرة المتلاحقة إلى إعادة تسليم القدس ولكن بشكل سلمي، مع أخذ العهد بالسماح ببقاء المسلمين فيها والصلاة في المسجد الأقصى، ثم مع الوقت تغيرت الظروف من جديد بمجيء المغول ونجاح المسلمين في التغلب عليهم، وبعد ذلك تمكنت الدولة المملوكية الناشئة نتيجة الفوز في معركة عين جالوت من إعادة تحرير القدس بشكل نهائي بعد التخلص تماما من خطر المغول، فهل العرب في العصر الحديث سوف يتخلصون من خطر مغول إيران الزاحفة، والتي احتلت من بلاد المسلمين وقتّلت فيهم حتى الآن ما لا يقل عن عشرة أضعاف ما حصل في فلسطين؟ وبنتيجة انتصارهم على إيران يصبحون قوة كبرى قادرة على حل المشكلة مع إسرائيل؟

زاهر طلب
10/10/2020

Scroll to Top