إن التدخل الدولي ليس تدخلا أجنبيا وهو ضروري لإسقاط النظام ولا يتعارض مع سيادة الشعب، ولا يمكن برأيي إسقاط النظام فقط من خلال عصيان مدني ولو كان شاملا، فالثورة ربما تندثر على المدى البعيد إذا لم نؤمّن لها الحماية الدولية، وما حصل في ليبيا ليس سيئا كما يغالط البعض، فالحظر الجوي وما قام به الناتو في ليبيا رغم أن فيه كثير من النقص والبطء، فهو أفضل مليون مرة من لو أن القذافي قتل خمسمئة ألف وشرد مليون من بنغازي ومحى المدينة من الوجود، وبعد ذلك بقى متربعا على عرش الحكم وحول ليبيا إلى امبراطورية ملك ملوك افريقا، ثم بدأ بمساعدة بشار في القمع والإجرام، بمعنى آخر إن عمل الناتو في ليبيا له أثر مباشر في قيام واستمرار الثورة السورية رغم كل الأعراض الجانبية.
إن الدعوة لإسقاط النظام بغير الحظر الجوي الضروري لتأمين انشقاقات عسكرية كبيرة وبغير دعم وتسليح للجيش السوري الحر، هذه الدعوة فارغة وتؤدي في النهاية لبقاء النظام سواء قصد الداعون إليها أم لم يقصدوا.
إن تسليح الجيش الحر لا يعني عسكرة للثورة، الثورة الشعبية سلمية وما يقوم به الجيش هو حماية هذه الثورة من بطش عصابات البعث والأسد، وهذا الجيش الحر سيعمل على إجبار الأسد على التنحي مثل ما عمل جيش مصر على إجبار مبارك على التنحي، ولكن لأن الجيش السوري الحر ضعيف مقابل جيش الأسد القوي، فهو بحاجة للحظر الجوي والتسليح بالأسلحة الثقيلة، وما حصل في ليبيا هو أقل الضررين.
أما في يتعلق برسالة الدكتور جين شارب “المرجع العالمي في الكفاح السلميّ” للثوار السوريين، التي ينصح فيها بسلمية الثورة إلى النهاية وتحت أي ظرف، ويتحدث فيها عن نزع دعامات بقاء النظام عن طريق المقاطعة الاقتصادية والعصيان المدني لتجفيف تمويله وشل قدرته الأمنية وإجبار الموارد البشرية المؤيدة له (الشبيحة) على التخلي عنه، فهو محق في ضرورة أن تظل الثورة سلمية على مستوى المتظاهرين، ومحق في فكرة شل قدرة النظام، ولكن يبدو أن هذا غير كافي في هذه الثورة لأن النظام السوري مدعوم ماديا وعسكريا بشكل هائل من إيران وروسيا والصين.
أعتقد أن الطريقة هذه قد تصلح لأنظمة استبدادية غير متحالفة بشدة مع قوى كبرى، وربما تصلح لو قامت في كل الدول الكبرى المؤيدة لبشار في وقت واحد ثورات سلمية وعصيان مدني، إن الفكرة الصحيحة عن السلمية هي أنها أداة ووسيلة وليست مبدأ ثابتا، وقد حان الوقت المناسب لتتسلح الثورة على مستوى الجيش الحر، ويتم تطبيق حظر جوي لتأمين مزيد من الانشقاقات العسكرية الكبرى مع أسلحتها الثقيلة، ولكن تبقى المظاهرات السلمية.
أما حديثه عن أن النظام الجديد قد يكون استبداديا إذا تدخل الجيش أو المنشقين العسكريين لصالح الثورة أو إذا دعمتها دول أخرى أجنبية أو دول الجوار، فهذا الكلام صحيح، ولكنه كتب في وقت مبكر لم يكن متوقعا أن يكون هذا النظام على هذه الدرجة الخرافية من الإجرام، ولم يكن متوقعا أن تتمسك الصين وروسيا وإيران وإسرائيل به لدرجة الاستماتة، وأعتقد أن الأولوية الآن هي لإنقاذ سوريا والشعب السوري من هذا الكابوس الذي لم يسبق له مثيل، لا أقول بأي ثمن ولكن بأقل الأضرار والخسائر، وإذا حصل أن كان النظام الجديد استبداديا فمن المستحيل أن يكون أسوأ من الحالي، وبكافة الأحوال إن وجود أي نظام هو أفضل من الفراغ والفوضى، وأفضل من بقاء هذا المجرم، ويمكن لاحقا حل مشكلة استبداد النظام الجديد إن حصل، بثورة سلمية ثانية أو بمظاهرات شعبية وعصيان مدني جديد، وغالبا ما سيكون هذا كافيا لأن النظام الجديد سيكون بالتأكيد أقل استبدادا.
إن الأولوية الآن هي لإسقاط بشار والتخلص من جرائمه وإنقاذ الشعب السوري من مجازر رهيبة كبرى بانتظاره إذا توقفت الثورة، ثم بعد سقوط بشار الجزار فلكل حادث حديث.
الخلاصة: يجب استمرار سلمية الثورة واستمرار العصيان المدني وتوسيعه، وإحضار مراقبين دوليين والسماح بدخول وسائل الإعلام الحرة، وهذا كله لا يكفي، لذا يجب أيضا بأسرع وقت ممكن تطبيق حظر جوي وتسليح ثقيل ودعم للجيش الحر، مع بقاء سلمية الثورة.
والله أعلم.