عندما نتحدث هنا عن أزمة بنزين، قد يتبادر إلى أذهاننا عددا من المسائل المختلفة الموجودة في مختلف البلدان حول البنزين. وعلى سبيل المثال أزمة البنزين التي أضحت في مصر منذ قيام الثورة ولا أحد يعرف السبب الرئيس وراءها إلا أن الجديد في هذه الأزمة هو انتشار ظاهرة السوق السوداء للبنزين مما أدي إلى استمرار الطوابير الطويلة من السيارات. ولكنه عندما يرتبط الموضوع بمخيم أشرف المحاصر من قبل الحكومة العراقية الموالية للديكتاتورية الإرهابية الحاكمة في أيران، المخيم الواقع في محافظة ديالى العراقية هو موقع عناصر منظمة مجاهدي خلق الأيرانية المعارضة، وهنا الوضع يختلف تماما..
ولا مجال لطرح مفردة السوق السوداء أو الحديث حولها فالأمر سياسي واضح جلي ولا توجد هناك طوابير طويلة للسيارات. وفي أشرف ومثلما يؤكد الدكتور حسن طوالبه الكاتب العربي الوقور ورئيس لجنة الاعلاميين والكتاب العرب دفاعا عن أشرف في مقاله بعنوان ” إرهاب نفسي لسكان مخيم أشرف”، ”المخيم لم يعد يحتفظ بهذا الاسم, بل صار سجنا كبيرا بحق ,لعل القارئ الكريم قد شاهد بعض السجون في بلده أو من خلال التلفاز , فكل سجن محاط بأسوار عالية جدا , وتعلوها أسلاك شائكة أيضا , حتى لا يتمكن السجناء من الهرب . أما مخيم أشرف فقد وضع حوله سواتر ترابية عالية جدا , كالتي تضعها الدول على جبهات القتال, ووضعت منصات كنكريتية على جنبات المخيم لمراقبة السكان داخله, كما وضعت منصات عالية نصب عليها كشافات ضوئية عالية القدرة لتسهيل المراقبة أيضا , وعليها كذلك مكبرات الصوت بلغ عددها 300 مكبرة تبث نداءات وتهديد وتحقير السكان”.
عندما سلمت القوات الأمريكية مسؤولية حمأية سكان أشرف إلى الحكومة العراقية في بدأية عام 2009، قامت الأخيرة بشد حلقات حصار لأشرف بشكل تدريجي وفي جميع الجوانب. واستمرت الضغوط والحصار حتى قامت القوات المسلحة العراقية في يوليو 2009 وأيضا في أبريل 2011 بهجومين شرسين على المخيم وارتكبت مجازر بحقهم والحصيلة كانت 47 قتيلا و 1070 جريحا. وبعد مجزرة الثامن من أبريل 2011 أخذ الحصار الجائر ضد سكان أشرف أبعادا أكثر وسعا وظلما وبرز في ممارسة تضييقات جديدة في إطار الماء والكهرباء والوقود. ونحأول في مقالات قادمة شرح الجوانب المختلفة لهذا الحصار.
أما الآن نتطرق إلى الموضوع الذي يعتبر أزمة خانقة في أشرف.
قد يكون من الصعب للغأية تصديق أن حياة قد تستمر لمدة تسعة أشهر في مجتمع مدني أو أي مجتمع آخر بدون مادة البنزين لكن الحقيقة المرة المؤلمة هي أنه وحتى لحظات كتابة هذا المقال مرت حوالي تسعة أشهر ولم تدخل قطرة واحدة من مادة البنزين إلى مخيم أشرف نتيجة للحصار المفروض من قبل الحكومة العراقية. وتصوروا أيها القراء الافاضل ان هناك مريضا في موقف حرج في ظل هذا الحصار، فماذا على اللاجئين المقيمين في المخيم فعله؟
عليهم أن يقوموا بإيصاله إلى المركز الصحي، وهذه شرط أن يتمكن المريض من المشي على الاقدام وفي غير هذه الحالة عليهم استخدام أساليب ميادين القتال ووضعه على نقالة الجرحى، وفي حال يكون وضعه متدهور حمله ركضا بمساعدة أشخاص لإيصاله بأكثر سرعة ممكنة إلى المركز الصحي والمركز التي وفي حقيقة الحال ليس لديه أي امكانيات حقيقية للعلاج. و لنتصور مرة أخرى أن يكون المريض في حالة غيبوبة.. كيف سيكون وضعه بعد نقله بهذا الشكل إلى المصحة؟ ليس لدي ادنى شك من ان كل ذي قلب سليم سيلعن تلك الروح الهمجية الاجرامية التي لا رادع ولا وازع لها.
ولا نتحدث هنا عن عدم إمكانية أي تردد بالآليات والمركبات بين الأماكن المختلفة داخل المخيم للتنزه بل لإيصال الماء والخبز وإدامة الحياة لسكانه ولم نتحدث حول إذا ما يريد أي انسان طاعن في العمر أن يذهب إلى مكان ما في المخيم يضطر ان يقوم بطي طريق طويل مشيا على الاقدام، ولم نتحدث عن الحد الأدني لإيصال الخدمات إلى مدينة عدد نفوسها حوالي 3400 شخصا وكم ستكون كمية البنزين الضرورية لإيصال هذه الخدمات بشكل يومي. تحدثنا فقط عن خلل في أيصال مريض إلى مركز صحي. وهل هناك مدينة في العالم كله لم تدخل اليها مادة البنزين ولو قطرة واحدة منذ تسعة أشهر؟ وهل ترون في هذا الامر، أي منع دخول الحاجيات الحياتية الأولية لأشخاص تعتبرهم القوانين الدولية لاجئين، شيئا سوى جريمة فاضحة ضد الإنسانية وجريمة بحق الحياة؟
وعليه فإن رئيس الوزراء العراقي وكل من لديه يد في مثل هذا المنع ومثل هذه الجريمة لابد أن يمثلوا أمام محكمة عادلة للرد على أسئلة حول جرائمهم هذه.
* خبير إستراتيجي أيراني
m.eghbal2003@gmail.com