أعلن الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر أن لدى قيادة حماس «رغبة كبيرة» في استئناف المفاوضات مع إسرائيل من أجل إتمام عملية تبادل أسرى، تتضمن الإفراج عن الجندي جلعاد شاليط المحتجز بقطاع غزة منذ أربعة أعوام. وأضاف كارتر في مؤتمر صحافي بالقدس: «أبلغونا (حماس) أن لديهم رغبة كبيرة في إحراز تقدم» في تلك المفاوضات.
والسؤال هنا هو: أيهم أهم بالنسبة لحماس، التي تريد التفاوض الآن مع حكومة نتنياهو، مفاوضات مع الإسرائيليين من أجل إطلاق شاليط، أم مفاوضات لتحرير الأراضي الفلسطينية، وبالتالي إعلان الدولة؟ فهل الجندي الإسرائيلي أهم من معاناة الفلسطينيين، وأهم من حلم الدولة الذي كلف الفلسطينيين، والعرب، عمرا من الصراع والقتال والدمار؟
قد يقول قائل: إن حماس ستفاوض من خلال الوسيط الألماني.. حسنا، لكن لماذا تتم مهاجمة وتخوين الرئيس الفلسطيني محمود عباس حتى عندما قال إنه سيخوض مفاوضات غير مباشرة مع الإسرائيليين من أجل إنهاء الصراع مع إسرائيل والظفر بالدولة الفلسطينية؟! لماذا حلال على حماس، وحرام على عباس؟
الغريب أن كارتر يقول إن حماس «ترحب كثيرا بالعودة الأخيرة للوسيط الألماني وبكون رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أدلى بملاحظات إيجابية حول تبادل السجناء». فكيف يمكن القول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية إيجابي، ويمكن الاعتداد بتصريحاته، ووعوده، عندما يتعلق الأمر بحماس، بينما يقال إن أبو مازن يضيع وقته مع نتنياهو الذي لا يمكن الوثوق به.
وهنا لا بد أن نتنبه إلى أن الموقف المعلن من قبل الحركة الإخوانية تجاه مفاوضات شاليط على لسان الرئيس الأميركي الأسبق كارتر، ما هو إلا امتداد لرسائل حماس إلى الإدارة الأميركية، ومنذ انطلاق مفاوضات السلام الأخيرة، من أجل أن تضمن الحركة اعترافا أميركيا بها، وبالتالي تضمن لها مكانا في السلطة. وإلا كيف نفهم أن حماس التي تطالب عباس بعدم التفاوض، بل وتطالبه بالاستقالة، وتخونه، تريد اليوم التفاوض مع إسرائيل؟
وقد يقول البعض إن حماس تنتقد المفاوضات، وعباس، بسبب رفض نتنياهو لتجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي فلا يجوز التفاوض في ظل استمرار الاستيطان، وهذا منطق لا يستقيم أيضا. فكيف يجوز لحماس أن تتفاوض، حتى على الأسرى، في ظل استمرار الاستيطان، بينما لا يجوز ذلك لعباس؟
وعليه، فإذا كانت حماس ترى أن التفاوض حول شاليط أهم من التفاوض من أجل إعلان الدولة الفلسطينية، فتلك كارثة، ومجرد القبول بذلك المنطق يعد كارثة أكبر أيضا، فنحن بغنى عن تكرار تجربة حزب الله في لبنان، عام 2006، حيث قتل قرابة 1200 لبناني في الحرب مع إسرائيل بسبب اختطاف جنديين إسرائيليين، ناهيك عن الخسائر المادية، لنكتشف بعد ذلك أن الجنديين الإسرائيليين ما هما إلا جثتان هامدتان. فهل المطلوب أن تدمر القضية الفلسطينية برمتها فقط من أجل أن تضمن حماس لها مقعدا في كرسي السلطة.
وختاما، فإن ما نراه اليوم هو أن نتنياهو يتحرك حرا لاختيار ما يعجبه، وما لا يعجبه، في التفاوض مع الفلسطينيين، وبمساعدة حماس للأسف.
الكاتب: طارق الحميد