المجالس النيابية الديموقراطية وتغير الفتوى

إكمالا لموضوع تغير الفتوى بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال، من الأمثلة المعاصرة على تغير الفتوى بتغير المكان والزمان والأحوال، حكم المشاركة في المجالس النيابية. فالحكم فيها على وجوه:

عدم جواز، بل تحريم المطالبة بالمجالس النيابية الديموقراطية في الدول الإسلامية التي تكون فيها كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، والتي تحفظ فيها الضرورات الخمس وتصان،  مثل المملكة العربية السعودية، لما يترتب على إقرار الحكم النيابي فيها، جعل كلمة الذين كفروا مساوية لكلمة الله تعالى، بحجة المساواة في الحريات العامة، وخصوصاً حرية التعبير عن الرأي.

ولكن لو قامت الدولة بإقرار هذا النظام الديموقراطي تحت ضغط الواقع والجماهير ـ كما حصل في الكويت والأردن ـ وترتب على عدم الاستجابة لهذه المطالب مفسدة أعظم من وجود مفسدة الحكم الديموقراطي، أو فرض هذا النظام الديموقراطي بالقوة – كما حصل في العراق – فإنه لا يجوز للمسلمين ترك المشاركة في الحكم الديموقراطي بحجة كفره، لما في هذا الترك من ترك لمقاصد الشريعة، وفقه الموازنات، وإخلاء مواقع صنع القرار لغير المسلمين، وهذا يؤدي إلى الإضرار بالضرورات الخمس، ومصالح الإسلام والمسلمين عامة في هذا البلد.

جواز المطالبة بالمجالس النيابية الديموقراطية في الدول الإسلامية التي تكون فيها كلمة الذين كفروا العليا، ولا تحفظ فيها الضرورات الخمس ولا تصان،  مثل سوريا، والجزائر، وتونس، وليبيا، والعراق ـ قبل سقوط النظام الاشتراكي ـ وسائر الدول الاشتراكية عموماً. لما يترتب على إقرار الحكم النيابي فيها، من رفع القيود على الضرورات الخمس، وبالتالي فتح المجال لرفع كلمة الله تعالى في المجتمع من خلال إتاحة الفرصة للدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ولا تقدح عملية المشاركة في المجالس النيابية الديموقراطية في براءة المشاركين من الشرك وأهله. وقد ارتكب أهل السنة في العراق أبشع جريمة في التاريخ الحديث – بعد سقوط الحكم الاشتراكي في العراق – حين تركوا مراكز صنع القرار لألد أعدائهم من الشيوعيين والشيعة والاشتراكيين، بحجج وأوهام، لا علاقة لها بمقاصد الشريعة، وفقه الموازنات([1])، فأدى ذلك إلى تمكين هؤلاء الأعداء من ديننا ورقابنا وأموالنا وأعراضنا حين تركوا لهم معظم مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، ومعظم مراكز النفوذ في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وخاصة، أن أهل السنة في العراق، بما فيهم الأكراد، يشكلون أغلبية راجحة.

كما أنه من أعجب العجب أن يترفع، أو يزهد المسلمون، في استلام الحكم في الدولة وإدارة شؤونها بعد تمكنهم منها – كما حصل في مصر بعد الانقلاب على حكم الملك فاروق – وتركها لجمال عبد الناصر الاشتراكي وزبانيته، ليفسد في أرض مصر وأهلها كما يشاء.


(1) فقد أفتى السيستاني الشيعة بالنار لكل من لا يشارك في الانتخابات، في حين أفتى الزرقاوي  ـ وليس من أهل الفتيا ـ بالنار والتفجير لكل من يشارك من أهل السنة.

Scroll to Top