س: إذا كانت الثورات والمظاهرات تؤدي إلى قيام أنظمة قد تكون أسوأ من الأنظمة القائمة ويجب تجنبها خاصة في الدول ذات الأنظمة الملكية المستقرة، فلماذا على الأقل لا نطلب من التيار الإسلامي القيلم بتظاهرات واعتصامات تطالب بإحياء الحياة الإسلامية، وإلغاء قوانين السماح بالزنا والمراقص، بدلا من اعتصام الإخوان المطالب بالملكية الدستورية أو إسقاط النظام؟
ج: نعم هذا صحيح، لماذا لا يرفع الإخون شعار التربية وإصلاح الشعب كما هو أحد أهم أسس دعوتهم (أقم دولة الإسلام في قلبك تقم على أرضك) و(كما تكونوا يولى عليكم)، لاحظ مثلا المعارضة الليبرالية مررت إعادة مهرجان جرش بعد ما تم إلغاؤه، بسبب انشغالهم فأين هم من هذا؟
الأصل أن يكون خطاب الإسلاميين هو الإصلاح بالانطلاق من الكتاب والسنة، أما الانشغال بالإصلاح بأمور أخرى مثل الفساد وحل البرلمان وقانون الانتخاب ومحاسبة فلان وعلان من المفسدين أو الإصلاحات الأخرى، لماذا الانشغال بها وترك الإنشغال بأسبابها وأساسها وهو تفعيل حكم الله العادل في الأرض، لماذا مثلا لا يكون برنامجهم هو الإصلاح الديني الذي سينعكس إصلاحا سياسيا واقتصاديا، ولماذا لا يركزون على الإصلاح الإعلامي من ناحية دينية وأخلاقية، ومحاربة المواخير والاختلاط ومواطن أساس الفساد الذي نشكو منه، المشكلة يغيّب هذا الأمر ويبقى ما نراه، فما الذي يبرمجهم نحو هذا؟ يقول تعالى (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء) {الأعراف 96}، إذن صمام الإصلاح السياسي والاقتصادي هو التمسك بالدين، تغيير الدستور والبرلمان هذا كله لا يفيد كثيرا، هناك الكثير من المجالات الإصلاحية من الجامعات إلى المدارس إلى (طنطات) الشوارع ومطالبة الدولة بحل هذه المشاكل، ورصد فساد وهبوط التلفزيون الأردني والمطالبة بأسلمته، وتحسين منهاج التربية الإسلامية في المدارس، المشكلة هي انشغالهم بتلك الأمور السياسية لوحدها وبالطريقة الثورية، فهذا الشكل من الإصلاح سيؤدي لمزيد من الفساد.
س: حسنا، في قصة سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام طلب من العزيز أن يجعله في منصب (قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم) {يوسف 55} فما رأيك؟ أعتقد أنه يجب أن يكون هناك مطالبة بالإصلاح البرلماني واستلام المناصب أيضا وليس فقط إصلاح دعوي؟؟
ع: بكل تأكيد ما تقوله صحيح، لكن هذه المطالب بالإصلاحات والاعتصامات لا يبدو أنها تهدف إلى إصلاح حقيقي، وإنما إلى لي ذراع الحكومة بدليل رفض الحوار مع الحكومة ورفضهم المشاركة في الحكومة. مثل هذه الأفعال لم تأت من الكتاب والسنة، بل من المدارس الثورية والماركسية، لاحظ أن اليسار يطالبون ببقاء حزب جبهة العمل الإسلامي، لأنهم يقولون إنهم أصبحوا قريبين منهم، هذه نقطة المشكلة. نعم أجندتهم تبدو هي حرق النظام الأردني، مثلما أحرقوا قديما النظام الملكي المصري فركب عليهم الاشتراكيون.
في موقع الحوار المتمدن اليساري لاحظت رأيهم بالثورات العربية، إنهم يعتبرونها ثورات ماركسية برأيهم لأنها ثورات مادية طبقية من قبل طبقات الشباب العاطلة عن العمل، والإخوان تأثروا بالفكر الماركسي منذ زمن ليس قريبا، ومع أنهم يريدون وجه الله، لكن فكرهم متأثر باليسار وإيران، في سوريا قديما نستغرب لماذا حزب البعث أيد الثورة الإيرانية وقت وقوعها رغم أنها ثورة دينية!!، ثم تبين لنا أنها شيوعية في جوهرها مغلفة بالدين في ظاهرها ودستورها مشابه للدستور السوفياتي مع اختلاف في المصطلحات. إضافة إلى أفكار سيد قطب وغيره أخذت أفكار ثورية وأدخلتها بدون قصد في العمل الإسلامي.
الآن إيران أخطر من إسرائيل في هذه الظروف، لأننا ننخدع بها ولا ننخدع بإسرائيل، مثل الفرق بين خطر الكفار وخطر المنافقين، المنافقين أخطر من الكفار، المنافق من أصل يهودي (الرافضة والخمينية والماركسية) أخطر من اليهودي الظاهر، فلماذا الإخوان يعملون لمصلحة إيران ولا يستنكرون الحراك الإيراني في الخليج؟ بل حتى لماذا لم يؤيدوا الثورة السورية بعكس الثورة المصرية؟ هل لأن الثورة السورية ضد نظام حليف لإيران؟
من المبادئ الأساسية في تنظيم الجهاد في مصر الذين اغتالوا السادات، (حتمية) الصدام مع الأنظمة المرتدة، لاحظ كلمة (حتمية) وهي من أسس نظرية ماركس، وأيضا (تحريم الملكية الخاصة)، وأيضا الطاعة العمياء للقيادة وذلك بتفسير من القرآن ولا يجوز اعتماد تفسير آخر، اعتماد قول واحد فقط، ويوجد مثل هذا عند الإخوان أيضا.
س: هذه الثورات التي حصلت في مصر وفي سوريا لماذا ننظر لها فقط من منظور التشاؤم؟؟ لماذا نظن أحيانا أنها في سوريا لن تنجح لأنها ثورة ضد نظام ماركسي يهودي؟ ولماذا نظن أنها في مصر حتما سوف تأتي في النهاية بنظام اشتراكي أو يساري مثل نظام عبد الناصر؟ في حين أن هذه الثورات دخل فيها كثير من الاتجاهات، والجميع سواء من أمريكان أو ماركسيين أو إسلاميين يرى فيها بداية انتصار مشروعه، فلماذا لا يكون هدفنا هو التأثير فيها لتتجه في صالح الإسلام بدلا من التشاؤم واليأس بأن مصيرها النهائي حسبما نظن بانتصار اليهودية؟؟
ج: أحيانا نكون متشائمين في تحليلاتنا وهذا حق لنا مثل رأينا المشكك في علاقة تركيا وأردوغان بإيران، ويجب أن نستمر ونراقب هل تصح هذه التحليلات أم لا، ورغم أن لنا مؤشرات على صحتها، لكن أنا كأكاديمي يجب أن أعتمد على الدليل العلمي لا يجوز أن أقول بقوله بدون دليل.
أنا: لم يكن يسمح بالخلاف السياسي والآراء السياسية في عهود الخلافة الإسلامية أليس كذلك؟
بل كانت موجودة وحرية الرأي موجودة ولم يتم محاربة الخوارج في البداية، بل تم التعامل معهم بالحوار والنقاش ولم يتم قتالهم حتى أصابوا الدم الحرام (الخطوط الحمراء)، ربما كان سيدنا عمر رضي الله عنه لا يقبل نوعا ما بالسماح بحرية التعبير للآراء التي قد تؤدي إلى فتنة، لكن هذا لا ينطبق على كل زمان وليس كل خليفة.