لا توجد عقيدة الحلول و الاتحاد في الصوفية

الصوفيةيتردد بين كثير من العلماء وفي بعض الكتب، أن المتصوفة ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم يؤمنون بالحلول، وقسم يؤمنون بالاتحاد، وقسم يؤمنون بوحدة الوجود. ويجعلون الحلاج مثلاً للحلوليين، وعمر بن الفارض مثلاً للاتحاديين. والحقيقة، أن هذا التقسيم وهم لا حقيقة له في الواقع، فجميع متصوفة المسلمين من أولهم إلى آخرهم هم على مذهب وحدة الوجود (باستثناء المبتدئين)، وكل ما مر هو براهين على ذلك، نضيف إليه قولاً للحلاج ينفي الاثنينية، وآخر لعمر بن الفارض ينفي به الاثنينية أيضاً، وأقوالاً لبعضهم تنفي الحلول والاتحاد.

* معنى الحلول: أن الله سبحانه وتعالى عما يصفون خلق الخلق، وحلّ فيه، كما يحل الإنسان في الثوب الذي يلبسه، أو كما يحل الماء في التراب عند مزجه، فيكونان بذلك اثنين متماسَّين تعالى الله.

* معنى الاتحاد: أنه سبحانه خلق الخلق و اتحد به، وضرب بعضهم مثلاً لذلك: اتحاد الماء بالخمر، مع أن هذا هو حلول في حقيقته وليس اتحاداً، وأصح منه مثلاً: اتحاد الكلور مع الصوديوم حيث يشكلان ملح الطعام. فيكونان بذلك متحدين، أومتماسَّين بالاتحاد.

* معنى وحدة الوجود: فقد عرفناها جيداً من النصوص السابقة، إنها تعني أنه ليس في الوجود إلا واحد هو الله، وكل ما نرى هو أجزاء منه تتعين بأشكال مختلفة، بما في ذلك أنا وأنت وهو وهي وهما وهم وهن، والأرض والشمس والقمر والنجوم والملائكة والجن، بما في ذلك الشياطين والحيوانات والحشرات.

يروى عن عبد الودود بن سعيد بن عبد الغني الزاهد قال:

…قلتُ له (أي: للحلاج): كيف الطريق إلى الله تعالى؟ قال: الطريق بين اثنين، وليس مع الله أحد. فقلت: بيِّن! قال: مَن لم يقف على إشارتنا لم ترشده عبارتنا، ثم قال:

أأنت أم أنا هذا في إلهين               حاشاك حاشاك من إثبات اثنين([1])

وأقوالهم في استنكار الحلول والاتحاد ونفي وجود من يؤمن بهما كثيرة، نكتفي منها برشفات:

يقول الطوسي، صاحب اللمع (عنواناً لباب في كتابه): باب في ذكر غلط الحلولية وأقاويلهم، على ما بلغني، فلم أعرف منهم أحداً، ولم يصح عندي شيء غير البلاغ([2]).

ويقول محمود أبو الفيض المنوفي:

… فمَنْ مِن الصوفية يا ترى يعتقد أن الذات الإلهي العظيم المقدس المنزه الذي لا يحيط به شيء، ولا يحتويه شيء من المكان على سعته، ولا الزمان على امتداده، يتحد أو يحل بشيء من مخلوقاته، إلا أن يكون جاهلاً بالتصوف وبالإسلام، أومدعياً أو متطفلاً على التصوف والإسلام، وإذن فلْيَكُفَّ المتخرصون الجاهلون عن تخرصهم بغير علم عن التصوف الحق وأهل التصوف، وليدعوا أمر الخالق الذي له في خلقه الكثير من الشئون([3]).

* ملحوظة: لقد أحسن عندما فرق بين التصوف والإسلام.

ويقول ابن عجيبة:

… فلا وجود للأشياء مع وجوده، فانتفى القول بالحلول، إذ الحلول يقتضي وجود السوى (يعني الغير) حتى يحل فيه معنى الربوبية، والفرض أن السوى عدم محض فلا يُتصور الحلول…

ونزهه في حكم الحلول فما له                 سوى وإلى توحيده الأمر راجع

فقد تقرر أن الأشياء كلها في حيز العدم، فانتفى القول بالاتحاد، إذ معنى الاتحاد هو اقتران القديم مع الحادث، فيتحدان حتى يكونا شيئاً واحداً، وهو محال، إذ هو مبني أيضاً على وجود السوى، ولا سوى، وقد يطلقون الاتحاد على الوحدة كقول ابن الفارض:

وهامت بها روحي بحيث تمازجا             اتحاداً ولا جرم تخلله جرم([4])

ويقول محمد بهاء الدين البيطار:

…فالمظاهر عين الظاهر، فليس إلا الله بلا مزج ولا حلول ولا اتحاد، بل القوم بريئون من جميع ذلك والله على ما نقول وكيل([5]).

* الملحوظات:

نلاحظ في هذه النصوص (وكثير غيرها) ما يلي:

1- ينفون وجود من يؤمن بالحلول أو بالاتحاد، لأن ذلك يقتضي أن في الوجود موجودين اثنين خالقاً ومخلوقاً، أو حسب تعبيرهم، الحق والسوى، وبما أنهم كلهم يؤمنون بوحدة الوجود ولذلك فإن السوى لا وجود له، إذن فلا يوجد فيهم من يؤمن بالحلول أو الاتحاد.

2- الحلاج يتبرأ من الاثنينية وينزه الخالق عن إثبات اثنين، إذن فهو لا يقول بالحلول.

3- ينفي ابن الفارض الاثنينية([6])، وينفي وجود المعية مع الحق، إذن فهو لا يقول بالاتحاد، وفي شعره يردد كلمة (الاتحاد) وهو يعني بها وحدة الوجود، ولا شيء غير ذلك.

* الخلاصة:

الصوفية مذهب واحد، لا يوجد فيهم من يؤمن بالحلول ولا الاتحاد ولا المزج ولا الوصل ولا الفصل، بل كلهم يؤمنون بوحدة الوجود، وتلك كلها تتناقض مع وحدة الوجود، وقد غلط العلماء الذين قالوا: إن في الصوفية حلوليين واتحاديين، وكانوا واهمين.

جملة يتسلى القارئ بتحليلها:

يقول أحدهم: …وفي الحقيقة، لا فصل ولا وصل، ولذلك قيل:

ولا عن قلىً كان القطيعة بيننا                كنه دهرٌ يُشتّ ويَجْمع

 


([1]) أخبار الحلاج، (ص:57).

([2]) اللمع، (ص:541).

([3]) معالم الطريق إلى الله، (ص:410).

([4]) إيقاظ الهمم، (ص:45، 46).

([5]) مرت في صفحة سابقة.

([6]) مر هذا في الأبيات المنقولة من تائيته في صفحة سابقة.

Scroll to Top