استعرضنا في المقال السابق خطورة فكرة تعميم الثورات على جميع الدول العربية، وسوف نستعرض في هذا المقال فكرة أشد خطورة ترتبط برؤى تاريخية وإسلامية تم تشويهها عن حقيقتها، وهي فكرة أن الثورة هي من أجل إقامة الخلافة الإسلامية!، ولكني نعرف مدى خطأ هذه الفكرة، يجب أن نعرف ونحدد أولا الهدف من الثورة، وثانيا أن نعرف المعنى الصحيح للخلافة الإسلامية والكيفية الصحيحة لتحقيقها بما يناسب كل عصر.
الهدف من الثورة:
هدف الثورة السورية هو إسقاط النظام الديكتاتوري البعثي اللاشرعي والمتسلط بقوة الحديد والنار، وإقامة نظام عادل يمثل جميع فئات الشعب، وبغض النظر حول الخلاف على شكل الحكم الجديد هل هو إسلامي أم مدني ديمقراطي، فالجميع متفق على أنه يجب أن يكون نظاماً أفضل، وبالنسبة للذين هدفهم إقامة خلافة فإنه يجب عليهم أن لا يستعجلوا بحرق المراحل، ويجب عليهم ترتيب الأهداف، ودراسة الواقع الدولي وأحكام السياسة الشرعية، وهل فعلا من الممكن قيام خلافة صحيحة في هذه الظروف أم لا؟
فمن الصعب إسقاط نظام وإقامة خلافة مكانه دفعة واحدة، فظروف المرحلة الانتقالية لا تساعد على إقامة دولة إسلامية بالشكل الصحيح، بل إن شدة بطش النظام السوري بالثوار والخلفية التربوية البعثية للشعب تساعد على قيام دولة قاعدية، سواء بمسمى داعش أو جبهة النصرة أو غيرهم من المُسوخ، وهذا مما هو معروف ضرره الشديد لأنه يسيء للإسلام باسم الإسلام، ويُعتبر بديلاً أسوأ من النظام السابق، وهذا عكس أهداف الثورة.
إن الطريقة الصحيحة لقيام دولة إسلامية هي بالتمهيد والتربية والدعوة والإصلاح بين الناس ونشر العلم الشرعي المتجدد برؤية معاصرة، ولا تقوم هذه الدولة إلا برضا الشعب وقبوله وليس بانقلاب بالقوة ولا بتزوير الانتخابات ولا إثارة الفتن، وإن هدف الإسلام الرئيسي هو هداية الناس في عقيدتهم بالله واليوم الآخر، ويأتي هدف إقامة الدولة بالدرجة الثانية.
إن الثورة هي في الأصل ضد الظلم والطغيان وليس لها علاقة بإقامة خلافة، ومن كان يريد الخلافة فعليه أن يأتي البيوت من أبوابها كما فعل الأنبياء والرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
إن فكرة الثورة من أجل الخلافة بهذا الفهم الخاطئ للإسلام مصدرها هو من أفكار حزب التحرير وتنظيم القاعدة المتطرفين، وهي في الواقع لا تؤدي إلى إقامة خلافة حقيقية ولا تحقق أهداف ثورة الشعب الذي قدم لأجلها أثمن التضحيات، بل تجعل كل ذلك هباءً منثوراً.
أما في أوساط اللاجئين فإن هذه الفكرة توقعهم في أكبر المصائب التي تبعدهم عن أهداف اللجوء وطلب الأمان، وتثير الفتن والقلاقل بين بعضهم وبينهم وبين الدولة والشعب المضيف، وبذلك تبعدهم أيضا عن أوامر الإسلام بوجوب الاعتصام بحبل الله جميعا ونبذ الفرقة والاختلاف.
زاهر بشير طلب