2015 عام النهضة والانطلاق ان شاء الله

إن الدراسات في علوم التنمية الذاتية وما يسمى البرمجة الغوية العصبية ذات تأثيرات بالغة النفع في مختلف جوانب حياتنا، بل فيها المخرج من المآزق التي وصلنا إليها أفرادا وجماعات ودولا، فقد أصبحت تهتم شركات الأعمال بهذا النوع من الدراسات لأنها تعطي نتائج مهمة جدا على مستوى ملفات اقتصادية واجتماعية مثل زيادة المبيعات للشركات وصعود اقتصادات الدول الصاعدة مثل النمور الآسيوية.

 

ومن المهم جدا في بناء رؤية المستقبل وضع أهداف استراتيجية كبرى بكل جرأة وشجاعة وثقة، فجميع الشعوب في الأرض تستطيع وتستحق أن تعيش في دول فتية صاعدة اقتصاديا وسياسيا، وتنعم بالرخاء والحرية والأمن والاستقرار بإذن الله.

ماذا عن السياسة في الشرق الأوسط؟ هل يمكن محاولة تغيير مستقبل المسارات الكبرى السياسية في المنطقة خلال السنة القادمة؟ أعتقد من السهل ذلك لأن أسلم الاتجاهات العلمية في مسألة «التنمية البشرية» تؤكد أن الحاضر هو صناعة أفكار وأهداف الماضي، وأن المستقبل سيكون نتاج الأفكار الإيجابية المتفائلة والواثقة التي نزرع بذورها في هذا حاضرنا الآن.

وفق الخطوط العريضة التي قذفتها الأعوام الماضية منذ لحظة البوعزيزي وحتى صعود «داعش» والتي ستنقلب جذريا باستخدامنا علوم التنمي البشرية على المستوى الجمعي، وتصبخ أقرب إلى دورة نجاح مكتملة ان شاء الله، وذلك برغم أنها ابتدأت بخطأ الاحتجاجات الشعبية السلبية النتائج، لكن كانت الميزة الوحيدة أنه تم زراعة بذور إرادة الحياة الكريمة الحرة في العقل الشعبي العربي، وكان اللازم استخدام هذه العلوم لتحقيقها بدلا من الثورات، وهذا ما سيؤدي إلى استقرار الدول بشكل كبير، وسيأتي العام المقبل بإنجازات أخرى اقتصادية وثقافية واجتماعية لتمنح استراحة كبيرة في الملفات السياسية بإذن الله.

إن مراكز الأبحاث الغربية والعربية المختصة بهذه العلوم من أكثر المعاهد نشاطا في صناعة مستقبل المنطقة وهي تؤكد على أن شرق أوسطنا سيصبح منبع للنظام والرخاء والاستقرار وأحد أفضل الأماكن للعيش وأكثرها أمنا، وذلك برغم ما تحيط بالمنطقة من بعض الأخطار؛ إذ يمكن بنشر وتطبيق هذه العلوم تشكيل مستقبل المنطقة لما بعد موجة الربيع، وذلك يشمل إيران مرورا بالعراق فسوريا فاليمن فمصر وشمال أفريقيا والخليج، وهي تؤكد على وجود إمكانيات سياسية كبرى فالتكلس الاجتماعي والتململ من تصاعد حالة الفقر ونقصان الفرص في الماضي سيدفع حتما هذه الشعوب للبحث عن بدائل إبداعية جديدة، وسوف تتلقف هذه العلوم بكل جدية إذا عرفت أن فيها الحلول بإذن الله، مما سينعكس إيجابيا على حل مشاكل أزمات الهوية والبطالة وتحديات الأمن، فيما يتجه الخليج والملكيات العربية الذي حافظت على الاستقرار وواجهت تحديات الإرهاب الكبرى نحو الرخاء الاقتصادي، فإنه ينتظرها آثار إيجابية لما بعد الربيع العربي برغم الصعود نسبي في فكر الأصولية والعنف، إلا أن فكر العصرنة والاعتدال آخذ أيضا بالصعود بشكل أكبر، إضافة إلى أن الفراغ الكبير الذي خلفته تحولات هائلة على مستوى المرجعيات الدينية والثقافية وتفكك بنى وأنماط التلقي والتأثير والدخول في عصر «تعدد المحتوى» بما تقذفه أقانيم ومنصات الإنترنت والوسائط الجديدة، كل هذا سيبلور نهاية المطاف تحقق إرادة ربانية أزلية خالدة بنصر مؤزر مبين لهذه الأمة، وذلك عن طريق انتشار هائل كبير لعلوم لتنمية البشرية التي اعتمدت كل الحضارات عليها في صعودها عبر التاريخ الإنساني.

إن الخروج من الأزمات الاقتصادية السابقة سيضيف بشكل غير مباشر عمقا جديدا إيجابيا لشعوب المنطقة، فقد حرصت السعودية على إيصال رسالتها النفطية للعالم بصيغة جديدة تعيد تعريف واعتبار ومكانة العالم العربي والإسلامي وقدرته الكبيرة المتجددة طوال التاريخ على فرض الوقائع، وما بكاء بوتين وعدم مقدرته على كظم بكائه في مؤتمر صحفي أمام شاشات العالم إلا دليل على بوادر كبيرة جدا في هذا الاتجاه.

إن ظاهرة تعاظم وصعود طبقة الشباب وتحولهم إلى قوة ضاغطة وكتلة اجتماعية إيجابية هائلة مع توفر علوم التنمية البشرية ستفجر قدراتهم اللامحدوة في مختلف آفاق العلوم والتكنولوجيا وتنهي ماض كانوا فيه فرائس سهلة لتنظيمات متطرفة سياسية، وهو ما يشكل ارتياحا للمراقبين في ظل توفر استراتيجية شاملة لمعالجة ملف التحديات الأمنية ذات البعد الثقافي والفكري والسياسي والتي ستوفرها أيضا علوم التنمية الذاتية من آليات عمل وأدوات وخطاب ومنتجات تختلف عن المواجهات الأمنية التقليدية، والتي استطاعت أيضا الجهات الأمنية في الخليج والسعودية والأردن تحديدا تحقيق إنجازات كبيرة وحاسمة فيه، ويتوقع الآن شمول النجاح جميع الاتجهات.

تنظيم داعش بكل من معه من دول لن يعود يشكل عبئا على المنطقة، ولن يصبح عاجزا عن نشر الخراب والفوضى والقتل والتدمير فحسب، بل سيفشل في استقطاب كوادر ومجموعات شبابية جديدة، وسيفشل في تطوير خطابه الإعلامي في ظل نجاح الحملة الإعلامية والفكرية عليه، إضافة إلى تعطل قدرته على اختراق مناطق فكرية جديدة في ظل وجود أفكار إسلامية معتدلة تناقشه في التفاصيل وبنية الخطاب ومفرداته وليس فقط بالإنكار الرسمي الذي يعد أقرب إلى تسجيل موقف سياسي.

يتوقع الخبراء أن تخسر داعش مناطقها في وتبدأ بالانكماش، ويتوقعون برغم دخول الإسلام السياسي في مرحلة العمل السري أن تحصل فيهم اختراقات ديمقراطية كبرى بسبب انتشار علوم التنمية الذاتية التي تؤثر بشدة في كوادرهم الشبابية.

وبرغم أن الانقسام المتزايد في العراق يفترض أن يضعف إلى حد كبير مواجهة «داعش»، كما أن عدم احتواء رئيس الوزراء حيدر العبادي للعشائر السنية واعتبارهم كتلة ضامنة لاستقرار العراق يمكنه أن يتغير، فعندما يبدأ المفعول السحري للإيجابية المجتمعية سيتغير كل شيء في لحظة غير متوقعة.

إقليميا ستتغير معادلات المنطقة بالكامل لأن السعودية والإمارات ستتوصلان إلى اتفاقية دولية مع الغرب وأميركا بخصوص وضع حد للمخطط الإيراني وأنشطتهم النووية كما سيلقي ذلك بظلاله على وضعية الأسد و«داعش» ويفتح الأفق نحو كل الحلول بعد أن كانت مغلقة.

أما انتعاش مصر وتحسن وضعيتها مرهون على تغيير الشعب ما بأنفسهم والتحول للإيجابية واأفكار البنّاءة الفعالة، وهذا سيعمل على الخروج من دوامة تأجيل الملفات الاقتصادية والتنموية بسبب العبء الأمني في سيناء وفي استقرار الشارع المصري، كما أن طريقة أداء السياسيين مع القوى الفاعلة التي دعمته من حزب النور إلى المجموعات الثقافية والسياسية الداعمة لـ30 يونيو ستكون عندها قد دخلت نقطة تحول كبرى للأفضل.

يبقى أن التدهور في اليمن حالة مؤقتة ومن المرجح برغم صراع الديكة بين المكونات السياسية الفاعلة في اليمن، أن تبدأ الأمور بأخذ منحى جديد نحو كل أنواع التحسن ليعود اليمن سعيدا كما عهدناه تاريخيا، وذلك بالبدء بالأخذ بعلو التنمية البشرية الذي أنهض دولا وشعوبا من الحضيض بعد الحروب العالمية الكبرى إلى مصاف الدول المتقدمة.

ماذا بقي لنبدأ سوى تفعيل غريزة التطوير والتحسين والإسراع بهذا فورا من الآن، والرغبة في العيش بشكل أفضل والذي سيبقى مهما تصاعدت الانقسامات والأزمات الكبرى الدافع للخروج من حالة الدوران حول الذات المرتبكة في الماضي لنحقق تطلعات لعيش الرفاه وتقدم اقتصادي يقود لمستقبل مختلف عن السنوات العجاف السابقة.

زاهر بشير طلب

كاتب سوري

Scroll to Top