هل انتهت الماركسية؟ ج2

او هل ماتت الشيوعية وانتهى خطرها؟

البيروسترويكا

وقد وضع لينين لهم الأسس التي يجب أن يطبقوها في مثل هذه الحالة، فلنقرأ بعض أقواله:

يقول لينين:
((علينا أن نكون مستعدين لكل لون من ألوان التضحية، وإذا استلزم الأمر فإننا نمارس كل شيء ممكن، فالحيل وفنون المكر وكل الأساليب غير الشرعية، جميعها مباحة، وكذلك السكون وإخفاء الحق، وموجز القول أننا نستخلص الآداب من مصالح حرب الطبقات))(الشيوعية منشأ ومسلكا ص ٢٠٢ ).

ويقول أيضاً:
((.. ولكننا تعلمنا أيضاً .. فناً آخر لا غنى عنه في الثورة: فن أن نكون مرنين، أن نعرف كيف نغيّر تكتيكنا بسرعة، بفجأة، آخذين بالظروف الموضوعية المتغيرة بعين الاعتبار، مختاريه سبيلاً جديداً للوصول إلى هدفنا، إذا تبين السبيل القديم في هذه الفترة من الزمن، غير ملائم، غير صالح( لينين، مختارات،مجلد٤ ، ص ٢٣٣).

ويقول: ((ونحن الذين تعلمنا قليلاً، في هذه السنوات الثلاث أو الأربع، كيف نقوم بانعطافات فجائية (حين يقتضي الحال انعطافاً فجائياً)( السابق ص، ٢٣٤).

ويقول:
((.. فإن دولة العمال، دون أن تلجأ البتة إلى إبطال التأميم، تؤجر هذه المناجم أو تلك، هذه الغابات أو تلك، آبار البترول هذه أو تلك ..الخ. من الرأسماليين الأجانب، لكي تحصل منهم على مزيد من الأعتدة والآلات التي ستمكننا من إنهاض صناعتنا السوفيتية الضخمة بأسرع وقت. إن دولة العمال إذ تمنح أصحاب الامتيازات قسماً من هذه المواد الثمينة جداً على سبيل الأجرة، تدفع بلا ريب جزية للبورجوازية العالمية، وعلينا ألا نطمس في شيء هذا الأمر، وأن ندرك جيداً في الوقت نفسه أنه مفيد لنا))( السابق ص، ٢١٧) اهـ.

وأقوال لينين في هذا المعنى كثيرة في كتبه ومقالاته، ولنلاحظ أنهم في البيروسترويكا، يتحركون داخل إطار هذه التعاليم، فقد تبين أن السبيل القديم في هذه الفترة من الزمن، أصبح غير ملائم وغير صالح، فغيروا التكتيك بفجأة، قاموا بانعطاف مفاجء. فاتحين بلادهم للرأسماليين الأجانب، مع الإبقاء على المصانع والمزارع مؤممة.

هذا، ونرى أن المؤتمر الثاني والعشرين المنعقد في تشرين أول 1961 في الكرملين في موسكو، كان قد رسم الصورة الواضحة الأولى للبيروسترويكا حسب رؤيتهم في ذلك الوقت:

– فقد اتخذ قراراً بالتنازل، عند الضرورة، عن النظام الفيدرالي (أي سنة 1961) للاتحاد السوفياتي والاستعاضة عنه بدولة اتحادية واحدة ذات قوميات كثيرة( المسلمون في الاتحاد السوفيتي ص، ٣٦١) اهـ.

وطبعاً تطورت النظرة في الثمانينات عنها في أول الستينات، مع تطور الظروف الداخلية في الاتحاد السوفياتي والخارجية.

والنتيجة أن الشيوعية لم تنته كما يظن الغافلون والحالمون، وإنما هو أسلوب جديد قديم، أسلوب عنوانه “يجب أن ننبثق من خصوصيات المجتمع” ومن هذا الانبثاق المناداة بالإسلام في المجتمعات الإسلامية، ويحضرني هنا قول القائل (كم يخيفني الشيطان عندما يأتي ذاكراً اسم الله).

إن مقولة “انتهت الماركسية” جعلت الماركسيين (شيوعيين وبعثيين وغيرهم) يأخذون حريتهم الكاملة بالتحرك بين الجماهير الذين صاروا بسبب الدعاية، يعتقدون أن الماركسية انتهت، وبذلك يقبلون ما يسمعونه من الماركسيين وعنهم دون ذلك الحاجز النفسي الذي كان يقف عقبة أمام قبول أقوال الماركسيين أو سماعها.

واقرأ هذا الخبر الذي نشرته جريدة “المجد” الأردنية في العدد (204) ـ 4/أيار/1998: ((علمت “المجد” أن محمود المعايطة الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي وقيادة الحزب سوف يلتقون في غضون الأيام المقبلة مع الدكتور منير حمارنه المين العام للحزب الشيوعي الأردني في إطار الجهود التي يبذلها البعث التقدمي لإنهاء الأزمة في صفوف الحزب الشيوعي. وكان فؤاد دبور الأمين العام المساعد للحزب وعضو قيادة الحزب شريف حلاوة قد التقيا الأسبوع الماضي الدكتور يعقوب زيادين الأمين العام السابق للحزب الشيوعي لذات الغرض. وقال فؤاد دبور لـ “المجد” إن هدف وساطة حزب البعث التقدمي هو لملمة الصفوف والحفاظ على وحدة الحزب الشيوعي الأردني كفصيل وطني لأن أية خلافات في صفوفه ستنعكس على الحركة الوطنية الأردنية برمتها. على هذا الصعيد علمت “المجد” أن عدداً من الشيوعيين القدامى الذي غادروا صفوف الحزب في سنوات سابقة، قد تنادوا هم أيضاً لبذل مساعيهم الحميدة لدى الفرقاء المختلفين في الحزب والعمل على استعادة وحدته وفاعليته في أقرب وقت)) اهـ. وأترك التعليق لمن يريد التعليق.

ثم اقرأ هذا الخبر أيضاً في الصفحة الأخيرة من نفس الجريدة:
((تعقد اللجنة الوطينة الأردنية للاحتفال بمرور (150) عاماً على صدور البيان الشيوعي اجتماعاً موسعاً يوم الخميس القادم في رابطة الكتاب الأردنيين لاستعراض النشاطات والفعاليات التي ستقيمها اللجنة بهذه المناسبة، وللتنسيق مع اللجان الأخرى في كل من مصر ولبنان وسورية لهذه الغاية.
وعلمت “المجد” أنه تم تشكيل لجنة تحضيرية لإحياء هذه المناسبة من شخصيات ماركسية، أبرزها الدكتور يعقوب زيادين والدكتور يوسف سميرات وفؤاد النمري وعبد الله حمودة، وموفق محادين ونزيه أبو نضال ورشيد شقير والدكتور سعيد ذياب وسالم النحاس.

وتجدر الإشارة أنه قد تم تشكيل اللجنة المصرية للاحتفال بمرور (150) عاماً على البيان الشيوعي الذي صدر في شهر أيار من عام 1848، والذي كان له تأثيره الكبير في تاريخ العالم كله.

وقررت اللجنة المصرية بعد عدة اجتماعات، القيام بنشر البيان الشيوعي، والدعوة لإقامة احتفال فني ومؤتمر علمي حددت شهر أيار الحالي موعداً لانعقادهما .. كما أصدرت نشرة غير دورية بعنوان “البيان”)) اهـ.
نستفيد من هذه النصوص أن الشيوعية أو الماركسية بجميع أسمائها، لم تنته، وإنما بدأت أسلوباً جديداً. ويدلنا النص الأخير على الفكرة الرئيسة في البيروسترويكا، أنها التنازل (مرحلياً طبعاً) عن “الطريق الروسي إلى الاشتراكية” الذي يتلخص بحقن المجتمع بالحقد على الطبقة الحاكمة، حتى يصبح هذا الحقد تياراً جارفاً، فيقوم جماعة من ضباط الجيش بإنشاء تنظيم سري للقيام بانقلاب يضعون في واجهته، إن كان في بلاد إسلامية، مسلماً من المغفلين النافعين أو أكثر، فإذا فشل الانقلاب كان المغفلون النافعون هم كبش الفداء، وإن نجح الإنقلاب، انتظر الماركسيون ريثما يرتبون صفوفهم، ثم يقومون بانقلاب ضد المغفلين النافعين الموجودين في الواجهة، ويسيطرون على السلطة لتنفيذ المخططات.

هذا هو ملخص “الطريق الروسي إلى الاشتراكية” أو بالأصح “الطريق اللينيني الستاليني”.

وقد تنازلت البيروسترويكا “الترميم الثاني، أو إعادة البناء” عن هذا الأسلوب في البلاد الخارجة عن ما يسمونه “أرض الميعاد” وأبقت عليه في الداخلة فيما يسمونه “أرض الميعاد” وطورته.

يتبع الحلقة الاخيرة
الهدف من البروسترويكا

Scroll to Top