في كتاب “فكرة كمنويلث إسلامي” لمالك بن نبي، تأمّلوا جيّدا فقرة أحبّ قراءتها كثيرا لما تحمله من معاني :
“”إنّ بذرة الحياة , ليست سوى مجرّد رمز في اللحظة التي تضعها (العناية) في رحم أمّ من الأمّهات, ما هو وزنها ؟ لا شيء أو كاللاشيء, و مع ذلك فإنّ مثل هذه البذور قد انتجت الأنبياء و العبقريات الكبيرة التي وجّهت الحياة على صعيد هذه الأرض, و اذا ما اجتمع بعض الأفراد في خمس لجان أو ستة , لدراسة فكرة كمنويلث إسلامي , فإنّ اجتماعهم يمكن أن يبدو و كأنّه لا معنى له…….و مع ذلك فإنّ عالما كاملا يمكن أن ينشأ عن هذا الالتقاء””……………ص48
إن البذرة أو نطفة الجنين صغيرة جدا ولكن الله يمدها بكل ما يلزمها لتنمو تدريجيا وبسرعة أكبر مما نتصور، ولكما كبرت كلما زادت العناية الإلهية بتحويل الظروف من حولها لأجل تسريع نموها.
أعتقد أن مثال الكومنويلث البريطاني كان جيدا في عصر مالك رحمه الله، أما في عصرنا هذا فأعتقد أن الأفضل هو نموذج الاتحاد الاوروبي، فهو بدأ ببضعة دول أوروبية، تماما مثل بدأت دول مجلس التعاون الخليجي، وتطور الأمر للاتحاد الأوروبي، وأعتقد أن الأمر مرشح لدينا بنفس الشاكلة بخاصة بسبب كثرة التحديات وروح العصر التكتلية، وبسبب التطور الهائل في هذه الدول.
ولقد أشار المفكر جودت سعيد الى أهمية نموذج الاتحاد الأوربي بدون الإشارة الى أنه لدينا دول الخليج تصلح كنواة لعمل اتحاد أفضل منه.
يقول جودت سعيد انه دُعي ذات مرة الى مؤتمر عن خروج الإمام المهدي في ايران، فقال لهم: “عن أية مهدي تتحدثون؟! هذا هو ذا المهدي قد خرج وهو الاتحاد الأوروبي”.
وأظن أن الاتحاد الأوروبي يتميز بتجسيد لأفكار مقاربة كثيرا لحكم الإسلام، كما أن لائحة شروط الانضمام للدول الراغبة تشكل نموذج يُحتذى به لدينا.
أما في كتب الأستاذ الراحل ابراهيم الفقي رحمه الله، الخبير في التنمية البشرية، فتوجد طرق لتقسيم الأهداف الكبيرة على مراحل وكل مرحلة هي ضعف نمو ما قبلها وهذا مثل نمو خلايا الجنين المتضاعفة.
أتذكر أنه هكذا بدأت صفحات الثورات العربية “السلبية” بقلة من الناشطين ثم فجأة بدأ يتضاعف الأمر، ولهذا أعتقد أنه لن يمر وقت طويل حتى نتفاجأ بنمو سريع وهائل لهذا الاتحاد الإسلامي، وذلك لأن التربة الخصبة مهيأة ولأن علوم النهضة والتنمية البشرية قد انتشرت منذ 15 عاما وتغلغلت، وكانت قد استخدمها الناشطون في الثورات السلبية، وكان استخداما خاطئا بعكس القوانين الربانية في الكون، ولهذا فشلت.
لننتبه جيدا هنا…
بسبب اليأس الشعبي من فشل الثورات، فإن موجة التغيير الشعبية العربية لم تستسلم ولكنها اخذت دروسا وعبرا، لأنه يستحيل عليها القبول بالعودة للوضع السابق.
ولهذا اتوقع انفجارا ثوريا فكريا إصلاحيا أكبر هذه المرة.
وهذا الأمر آخذ بالحدوث فعليا منذ سنة 2011 ويتفاعل بشدة في الدول العربية التي بقيت مستقرة.
كل هذا أرجو أن يكون معناه ان شاء الله قرب تهيئة الظروف للانخراط العملي في العمل لهذا الاتحاد الأكبر على مستوى العالم.
سيكون هناك من يعمل سياسيا.
وهناك من يعمل عللا فكريا وعلميا على مستويات متصاعدة.
إذا لنستعد للإثارة الإيجابية القادمة…
والله اعلم
زاهر بشير طلب
باحث وكاتب