هل توجد طرق أخرى للتغيير الإيجابي أفضل من الثورات السلمية؟

الثورات السلمية عبارة عن طريقة مختلفة عن تلك الطرق العنفية للتغيير، ومن ميزاتها تقليل الخسائر بين الطرفين والوصول للتغيير بأقرب الطرق الممكنة، وخاصة أيضا عندما يكون الطريق للتغيير بالقوة مغلقا.

لكن هل توجد أيضا طرق أخرى للتغيير أكثر نفعا وأقل في الخسائر وأفضل في النتائج؟ بالتأكيد الجواب هو نعم، خاصة عندما تكون الثورات السلمية مجازفة خطيرة على مستوى كامل الشعب والدولة، إما لأن رد فعل النظام سيكون عنيفا لدرجة خرافية مثل النظام الليبي والسوري، أو لأن الثورة تعرض الدولة لخطر النفوذ الإيراني مثل الكويت ودول الخليج، فمن الممكن توقع وجود طرق أفضل بكثير خاصة مع تطور العلوم في العصر الحديث، ولهذا يجب البحث عن طرق أكثر سلمية وأقل ضررا، خاصة أن الثورات السلمية في أفضل حالاتها تضر بالاقتصاد لدرجة قد توشك به على الانهيار كما في مصر وتونس.

كي نحاول معرفة هذه الطرق دعونا أولا نمعن التأمل في سبب وجود الأنظمة الفاسدة والمتسلطة في الحكم مع الصعوبة شبه التعجيزية في تغييرها وإسقاطها، فالأمر أشبه بحاسوب أصيب نظام التشغيل فيه بفيروسات عطلت وظيفته، لكن الحاسوب توجد فيه امكانية فرمتته وإعادة تركيب نظام تشغيل جديد، فهل من المعقول أن الله الكامل في عدله ترك الدول يصعب اعادة تركيب نظام حكم لها أو اصلاح نظامها إلا بشق الأنفس؟! بالتأكيد ليس لهذه الدرجة، فالجهاد الواجب يُشترط فيه الحد الأدنى من التكافؤ مع العدو ولا يجيز إلقاء النفس إلى لتهلكة، لكن الثورات تبدو أقرب إلى إلقاء النفس في التهلكة خاصة في بعض الدول الأمنية الحديدية مثل سوريا، فما هو العمل؟

لا شك أن لجهاز الحاسوب كتالوج مكتوب فيه كيفية الحل، وأيضا فإن هذا الكون له كتالوج، فقد أنزل الله الإسلام وعلم الإنسان العلوم الكونية والاجتماعية كي يعرف ويعمّر هذا الكون للأفضل، وهنا فإن الابتداء بالتغيير هو بقاعدة “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم” فهي سبب التغيير نحو الأفضل إذا غير معظم أفراد الشعب نفوسهم نحو الأفضل، وهي أيضا كانت سبب تسلط الأنظمة الفاسدة والأمنية على الشعوب عندما غيرت نفوسها نحو الأسوأ.

وبناء على هذه القاعدة فإن تسلط الفساد على الشعوب هو بأسباب نابعة من أنفسهم أولا، كما توجد كثير من الأحوال السيئة التي يعيشها أي شعب يمكن له أن يغيرها نحو الأفضل بنفسه دون الحاجة لتغيير الحاكم، مثل الفقر والتنمية والتعليم وغير ذلك، فصحيح أن تلك الأمور مسوؤل عنها الحاكم، لكنه أيضا لا يمكنه أن ينجح في تغييرها للأفضل بدون تعاون وتجاوب من الشعب، كما يمكن للشعب أن يغيرها للأفضل بنفسه دون الحاجة لانتظار الحاكم ولا الحاجة لخلق فوضى تسبب ضررا أكبر من الفائدة المرجوة كما يحصل عادة في الثورات حتى السلمية منها.

إن تغيير حالة وطبيعة نظام الحكم تعتمد على حالة الشعب، فالأنظمة في النهاية إفراز غير مباشر للشعوب، واذا عرفنا أننا المسؤولين عن سوء حالتنا فقد عرفنا أيضا أننا قادرين على تغيير الحال إلى الأفضل، أما اذا بقينا نعتقد أن الأنظمة هي المسؤولة عن كل أحوالنا فسوف نستمر بالشعور بالعجز وصعوبة التغيير ونبقى في حلقة مفرغة.
إننا نجد أن أي نظام مهما كان سيئا أو فاسدا توجد له بعض المميزات، وهنا ومن أجل زيادة الميزات وتقليل السلبيات ما أمكن، يجب أن نكون متفائلين وننظر إلى الجزء المملوء من الكأس ونشكر الله عليه، وكما وعدنا الله فسوف يزيدنا منها، ونعمل أيضا على زيادة الإصلاح وتقليل الفساد في المجتمع والأفراد، وهذا سينعكس عاجلا أم آجلا على كل الدولة وكل النظام وذلك وفقا لقوانين التاريخ وسنن الله تعالى.

أما بالنسبة للدول التي قد قامت الثورة فيها، فحتى مع وجود الثورة فلا غنى عن التغيير بالنفس وإلا حل نظام فاسد جديد محل السابق، أما في سوريا تحديدا فلا يمكن العودة عن الثورة بعد وقوعها، بل إن إيقافها أخطر من إكمالها، كما لا أنصح بصراحة أهل الجزائر والسودان بالثورة، رغم أنهما الشعبين الأكثر بؤسا والأكثر استحقاقا للثورات، لأن نظاميهما مثل النظام الأسدي مرتبطان بروسيا وإيران، وبدلا من ذلك عليهم استغلال كل مسارات الإصلاح وبذل كل الجهود لتفعيلها وجعلها إصلاحات حقيقية تؤدي في نهاية الأمر لسقوط هذه الأنظمة الأمنية الحديدية بشكل تدريجي.

أما دول الخليج وكافة الأنظمة الملكية فهي الأسرع إصلاحا وتطورا وهي الأكثر استحقاقا لأن يكون التغيير فيها سلميا وتنمويا بدون أي فوضى، وذلك حفاظا على ما تبقى في الوطن العربي من اقتصاد قوي واستقرار يحفظ ويدعم توزان كل الوطن العربي أمام الخطرين الصهيوني والإيراني.

يتبع

Scroll to Top