تم تشكيل المجلس الوطني وكان التيار الرئيسي فيه من بعض الإخوان المسلمين، ولكن كانوا بحاجة لغطاء علماني أو ليبرالي ليسهّل عليهم التعامل مع الغرب، فجاءت مجموعة من اليساريين والشيوعيين وزعمت أنها علمانية، وهذا الزعم الكاذب ما فتئ الشيوعيين واليساريين يزعمونه منذ سقوط الاتحاد السوفياتي، ومع أني ضد العلمانية إلا أن الفرق بين الليبرالية والعلمانية وبين الشوعية واليسار هو كما بين السماء الأرض، فالليبراليون يمكن التحالف معهم بحذر، بينما التحالف مع الشيوعيين واليساريين غالبا ما يؤيدي إلى “خازوق بيطلع من الراس”.
النتجية: التيار اليساري في المجلس المتمثل في غليون وقضماني تبيّن أنه في واقع أمره مماثل في أفكاره لأفكار هيئة التنسيق وهي كلها يساريين وشيوعيين، فقاموا بالتلاعب بمطالب الشعب السوري وميّعوها، فانصبت اللعائن على المجلس، أما جماعة الإخوان فقد هبطت شعبيتهم بين الجماهير للأسف الشديد، مع التأكيد على حسن نوايا الإخوان خاصة القاعدة الشبابية، إلا أن المفروض أنه لا يلدغ المؤمن من الحجر الواحد مرتين.
ففي مرات كثيرة سابقة تحالف الإخوان مع الشيوعيين واليساريين والقوميين و”أكلوا نفس الخازوق” للأسف الشديد، والمشكلة أيضا أن بعض قياداتهم هي أيضا من أصول يسارية أو متأثرة بالفكر اليساري، وهذا ما يجعلهم يميلون دائما للتحالف مع اليسار، ومن أهم هذه المرات، تحالف الإخوان في مصر مع اليساري الاشتراكي جمال عبد الناصر لإسقاط النظام الملكي، فكانت نتيجة ثقتهم بعبد الناصر أن وضعهم في السجون بعد الانقلاب، ويعتقد البعض خطأ أن السبب هو التحالف مع العسكر، ولكن تجربة المجلس الوطني وغليون اليساري المدني ومن قبلها تجربة التحالف مع عبد الحليم خدام البعثي، وكثير من التجارب الأخرى تثبت أن أي تحالف مع اليساريين هو “أكل هوا” وسقوط في الهاوية السحيقة.
ففي تجربة تحالف الإخوان المسلمين مع عبد الحليم خدام بعد انشقاقه عن النظام، لكنه في نفس الوقت لم ينشق عن حزب البعث، وبقي بعثيا وفيا للمبادئ الماركسية التي يقوم عليها حزب البعث والنظام الأسدي، فقام بخداعهم وأقنعهم بفكرة أراد النظام إيصالها لهم، وهي رفض أي تدخل خارجي لإسقاط النظام، فكانت هذه الفكرة من أسباب نجاة النظام من السقوط في تلك الفترة، لأن الدول الغربية وجدت أن المعارضة السورية ترفض التدخل الخارجي، ثم ها نحن اليوم وبعد عشرات الآلاف من الشهداء فهمنا أخيرا أن هذا النظام لا يمكن له أبدا أن يسقط إلا بتدخل دولي عسكري.
قاعدة: لا يوجد شيوعي يتحول إلى ليبرالي تحولا صادقا إلا نادرا، لأن الشيوعيين قرروا عن قصد في مؤتمراتهم الحزبية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي الزعم بأنهم أصبحوا ليبراليين، وهذا كذب، فحتى بشار الأسد يزعم أنه علماني وليبرالي، لكن الليبرالي الحقيقي هو الديمقراطي مثل أحزاب الدول الغربية، وليس مثل حزب الكاذب بوتين ومديفيدف اللذين لا يزالون في جوهرهم شيوعيين، ولهذا يصرون على دعم بقاء النظام البعثي.
ثم إن الفرق الجوهري بالنسبة للثورة السورية بين الليبراليين الحقيقين والشيوعيين، هو أن كافة الشيوعيين واليساريين لا يريدون سقوط النظام، فإما أنهم مؤيدين للنظام علنا مثل الجبهة الوطنية، أو معارضين للنظام على موقف مشابه لموقف هيئة التنسيق، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن الشيوعية وحزب ونظام البعث الأسدي مشتقتان من الأفكار الماركسية.
وبعد احتراق ورقة غليون وقضماني، برز شيوعيون جدد في المجلس هم كمال اللبواني وجورج صبرا، وهؤلاء أيضا ولو اختلفوا قليلا في الظاهر، فلن يختلفوا في الجوهر عن هيئة التنسيق اللاوطنية، وحتى لو زعموا أنهم ليبراليون، فهم يبقون أوفياء للشيوعية والنظام البعثي، وسوف تثبت الأيام صحة ما أقول، ولكن لماذا ننتظر الأيام؟ فالوقت من دماء وكفانا تجربة عينة واحدة من الشيوعيين، وقد جربنا عينتين، فهل يجب تجربتهم جميعا كي نقتنع؟
لقد قضى النظام الأسدي تماما على الليبراليين الحقيقيين الذين من الممكن التحالف معهم، من أمثال هاشم الأتاسي وفارس الخوري، ونلاحظ أنهم جميعا لا ينتمون ولم يسبق لهم الانتماء إلى أي حزب شيوعي أو يساري.
كل ما سبق لا يعفي الإخوان المسلمين من تحمل المسؤولية، فهم أيضا جماعة مؤدلجة بدليل وجوب الطاعة التامة للمرشد العام، وهي مثل الطاعة العمياء لرئيس الحزب الشيوعي، كما أن بعضا من قياداتهم إما من أصول يسارية أو متأثرين بالأفكار الماركسية، وكما قرر الشيوعيون واليساريون في مؤتمراتهم أن يزعموا أنهم ليبراليون، فقد قرروا أيضا أن يدعي قسم منهم أنهم أصبحوا إسلاميين، فعملوا على اختراق الإسلاميين من الداخل، وقد نجحوا في ذلك على أعلى المستويات، وذلك بسبب فكرة شهيرة لدى الإخوان المسلمين وهي “لنتعاون في ما اتفقنا عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه” وهي قاعدة صحيحة، ولكن فقط في الخلافات الفرعية، ولكنهم توسعوا كثيرا بالأخذ بها إلى درجة تحالف بعضهم مع إيران والطائفيين من الشيعة الذي لديهم مخططات خطيرة جدا لاحتلال العالم العربي، بحجة الاتفاق معهم ضد العدو الصهوني، ولكن إيران نفسها أخطر من العدو الصهوني ومتعاملة سرا معه، وقد أعلنت جماعة الإخوان المسلمين السوريين تجميد أنشطتها المعارضة للنظام في فترة حرب غزة تضامنا مع المقاومة والممانعة، مع أن النظام هو أكثر نظام متعامل لكن سرا مع إسرائيل!!
كل ما سبق لا يعني أن كل جماعة الإخوان المسلمين سيئة، بل فيها الكثير جدا من الطيبين والمخلصين.