قرار الانسحاب الأميركي من العراق نهاية هذا العام يطرح كثيرا من الأسئلة التي لا توجد لها أجوبة، والسؤال الأهم بينها: لماذا تسلم الولايات المتحدة الأميركية العراق إلى إيران بعد كل هذه الأموال والدم الذي لا يقدر بثمن؟ العراق غير مؤهل عسكريا ومخابراتيا وحتى سياسيا، للوقوف على قدميه كما ينبغي، فعسكريا ليس لدى العراق حتى قوات جوية جاهزة ومهيأة، واستخباراتيا ليس لدى العراق جهاز فعال قادر على الرصد والتتبع بشكل فعلي وعملي، وأما سياسيا فتلك كارثة أخرى؛ فالحكومة العراقية طائفية ومرتمية بأحضان إيران، ولم تستطع تحقيق المصالحة السياسية ببغداد بل تواصل الاستقصاء والثأر، ومنغمسة بالطائفية إلى أبعد مدى، وها هي النصير الأبرز لنظام بشار الأسد الذي يقتل نظامه الأمني السوريين يوميا، فهل هذه حكومة يمكن الوثوق بأنها قادرة على إرساء الاستقرار بالعراق، أو في دول الجوار؟ أشك!
والغريب أن وزيرة الخارجية الأميركية تقول لمحطة «إن بي سي» الأميركية إنه «يجب أن لا يسيء أحد تقدير عزم أميركا والتزامها بالمساعدة في دعم الديمقراطية العراقية»، وإن أميركا قد دفعت ثمنا غاليا لمنح العراقيين هذه الفرصة، مضيفة – أي كلينتون – بأنه يجب أن لا يساور أحدا أي شك في الالتزام الأميركي تجاه العراق، خاصة إيران المجاورة، حيث أضافت كلينتون بمقابلة أخرى على محطة «سي إن إن» الأميركية أنه «ستكون إيران مخطئة في حساباتها بشدة إذا لم تنظر إلى المنطقة بأسرها ولوجودنا في العديد من دول المنطقة».
لكن الحقائق تقول إن نفوذ طهران بالعراق قد تعزز أمام أنظار الإدارة الأميركية الحالية، كما استفاد النفوذ الإيراني من أخطاء الإدارة الأميركية السابقة، وهذا ليس كل شيء، فها هو الرئيس الإيراني يقول، وبنفس اليوم الذي صرحت فيه السيدة كلينتون، بمقابلة مع محطة «سي إن إن» الأميركية إنه – أي نجاد – لا يتوقع أي تغير في علاقات بلاده مع العراق بعد انسحاب القوات الأميركية. وأضاف نجاد، وبكل ثقة، وهذا بيت القصيد كما يقال: «لدينا علاقات جيدة جدا مع الحكومة والبرلمان العراقيين.. وعمقنا علاقاتنا بهما يوما بعد يوم».
وهذا صحيح «يوما بعد يوم» وأمام أعين الأميركيين، ولذلك فإنه ليس بسر حجم النفوذ الإيراني بالعراق، ودعم طهران للميليشيات الشيعية هناك، ويكفي الاستماع لشكوى شرفاء العراق، من سنة وشيعة، وغيرهما، الذين لا يقبلون أن يكون بلدهم مسرحا، ولعبة بيد إيران، أو يدار من قبل قاسم سليماني وفيلق القدس الإيراني.
وعليه فإن الأسئلة كثر اليوم، فهل انسحب الأميركيون من العراق فقط لخفض التكاليف المادية؟ أشك، فأكثر منتقدي القرار بأميركا من الجمهوريين. والسؤال الآخر هل الانسحاب من أجل الاستعداد للقيام بعمل آخر، مثل العمل العسكري ضد إيران، وبالتالي فإن واشنطن لا تريد أن يكون ظهرها مكشوفا لطهران من ناحية العراق؟ لا نعلم! أم أن الانسحاب هو نتيجة قرار سياسي خاطئ، ناتج عن الضغوط الانتخابية؛ لأن أوباما سبق وأن وعد بحملته للرئاسة فعل ذلك؟
إذا كانت هذه هي الأسباب فإن النتائج ستكون كارثية على العراق والعراقيين، بل والمنطقة برمتها!