كثيرون كتبوا عن مؤتمر المعارضة في دمشق وتم إشباع الموضوع، لكن ماذا عن اجتماع روسيا التي تصر على الدفاع عن جرائم النظام السوري مع المعارضة؟
لقد قام بشار في بداية حكمه بمحاولة خداع الشعب فاجتمع بالمعارضة نفسها في عام 2002، وطلب منهم تقديم مقترحات للإصلاح الذي يرونه ضروريا للبلاد. ثم اجتمعت المعارضة السورية وخرجت بمقترحات، فكان من أهمها: القضاء على الفساد الحكومي، وتم تسليم المقترحات وقتها لبشار، لكن ماذا كانت النتيجة؟ النتيجة كانت سجن أعضاء المعارضة، ثم خرج بعضهم عام 2005 من السجن، والمحصلة هي أن الرئيس استخدمهم في ذاك الوقت لترسيخ صورته الإصلاحية الكاذبة، التي أراد منها الحصول على المشروعية بعد أن ورث الحكم من والده بواسطة الالتفاف على الدستور.
لكي نفهم هذه الظاهرة يجب أولا أن نكون عارفين بأن هذا النظام يتبع للصهيونية العالمية، ويرتبط مع إيران وروسيا والصين، ونعرف أن الفترة السابقة لسيطرة حزب البعث على الحكم بالقوة، كان هناك عدة أحزاب تتنافس مع بعضها وكلها تتبع للمنظومة الشيوعية والاشتراكية، حزب البعث الاشتراكي، الحزب الناصري الاشتراكي، الحزب الشيوعي، الحزب الاتحادي الاشتراكي، الجزب القومي السوري الاجتماعي …ألخ.
ولكن لماذا كل هذه الأحزاب، ألا يكفيهم حزب واحد؟ الجواب: أن كل حزب هو بمثابة فخ أو طعم له دور معين، ومن ينجح منهم في الوصول للحكم يحصل على الدعم، ويتم في نفس الوقت المحافظة على الأحزاب الأخرى للاحتياط، ويتم استخدام بعضهم في صنع صورة ديمقراطية وهمية، مثل مسرحية أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وعندما سقطت هذه الصورة، قام النظام في عهد بشار بإجراء مسرحية الانفتاح المسيطر عليه ولجأ لخداع الشعب بالمعارضة.
يمكن أن نلاحظ أن تلك المعارضة في ذاك الوقت مثل ربيع دمشق لا تحتوي كافة التيارات الفكرية والسياسية الموجودة في سوريا كما يجب أن يكون الحال في أي انفتاح ديمقراطي حقيقي، بل يمكن القول بأنه يقتصر في أغلبه على اليساريين والأحزاب ذات الخلفية الماركسية، ليس المقصود هنا هو التشكيك بأحزاب أو شخصيات المعارضة وربيع دمشق، ولكن التنبيه إلى مخططات النظام الخبيثة في خداع الشعب، أما الهدف الآخر وهو الأهم، فهو تهيئة هؤلاء لتسلم السلطة في حالة اضطرار النظام للرحيل مستقبلا، ويمكن النظر للاجتماع الذي تقوم به بعض المعارضة الآن في روسيا من نفس المنظار.
فاللقاء مع روسيا فيه فائدة بمحاولة إقناعها عن استخدام الفيتو ضد قرار إدانة جرائم النظام البعثي، و ربما فيه أيضا خدعة روسية من أجل أن تؤمّن نظاما سوريا بديلا يكون هو الآخر تحت مظلتها ووصايتها بشكل غير مباشر، وهذا مرفوض، لأن الشعب السوري يريد إسقاط النظام البعثي الاشتراكي والعائلة الأسدية، وإسقاط الوصاية الإيرانية، وإسقاط الوصاية الروسية، وإسقاط الوصاية الإسرائيلية، وأي وصاية أجنبية أخرى، ويريد دولة حرة ومستقلة وديمقراطية تعددية حقيقية.
لقد كانت روسيا في عهد الاتحاد السوفييتي تأخذ دور الوصي الدولي على النظام السوري، ثم أخذت إيران هذا الدور بعد سقوطه، ولكن نحن الآن نشهد عودة للدور الروسي في السنوات الأخيرة، وقد تم مؤخرا إقامة قاعدة عسكرية روسية في اللاذقية وهي على غرار القواعد السوفياتية السابقة، فعلى الرغم من فائدة الاجتماع في إقناع روسيا بتغيير موقفها من قرار مجلس الأمن، ولكن ربما مقابل صفقة بأن يكون النظام السوري الجديد ضمن الفلك الروسي، والعمل على تسليم الحكم لتيارات مرتبطة بروسيا.
سورية يجب أن ترفض الوصاية الخارجية المباشرة وغير المباشرة، الغربية الأمريكية أو الشرقية الروسية أو الإيرانية، الشعب الثائر هو صاحب العلاقة وحده وقد قرر أنه يريد دولة حرة ديمقراطية تتسع لجميع الأطياف ولا تقبل بسيطرة حزب واحد أو طيف واحد من الأحزاب، ولا تقبل بوصاية خارجية لا مباشرة ولا غير مباشرة، المطلوب هو إسقاط النظام الأسدي العائلي الطائفي وإسقاط النظام البعثي والماركسي بجميع أشكاله وتنوعاته وبدائله.
ليس المقصود هو رفض أو اقصاء اليسار والأحزاب الماركسية عن المشاركة الديمقراطية في الحكم، أبدا فهذا مخالف لأسس الديمقراطية، ولكن يجب أن يفهم الجميع أن الارتباط بوصاية خارجية مرفوض، وأن محاولة فرض أيديولوجيا معينة أو اتلاف أيولوجيات متشابهة على المجتمع مرفوض، وأن استخدام (التقية) في العمل السياسي من أجل الوصول للحكم ثم محاولة فرض الأيديولوجيات القديمة أو الجديدة مثل ما يفعل حزب الله في لبنان هو أمر مرفوض، والحل هو أن يتشرب الجميع روح التداول السلمي الحقيقي للسلطة، ففي أوروبا أحزاب يسارية ماركسية وأيضا أحزاب يمينية وحتى أحزاب ذات خلفية نازية، لكن كلها اتفقت بصدق وشفافية على مسلمات العمل الديمقراطي وحق الجميع في التداول السلمي للسلطة بانتخابات حرة ونزيهة.