ما هو التحليل السياسي؟

لقد غدا التحليل السياسي بطرق منهجية حديثة ومبنية على أسس علمية سليمة ضرورة من ضروريات الحياة، وذلك في عالم مضطربٍ ومتسارع الأحداث، وعلى رغم كون التحليل السياسي ممارسة قديمة، إلا أنها لم تكن مبنية دومًا على أسس علمية ومحايدة. لكن المنهجية العلمية في التحليل السياسي أصبحت ضرورة وأساسًا في الوصول إلى أقرب النتائج للصواب والدقة، وذلك بناءً على مخزون معرفي كبير من المعلومات والمهارات والخبرات والإحصاءات وغيرها، وفي هذا الموضوع سنعالج تعريف التحليل السياسي وبعض أبرز الأمور المتعلقة به، وفي موضوعات لاحقة إن شاء الله توجد مزيد من التفاصيل.

تعريف التحليل السياسي

التحليل السياسي هو فهم وإدراك فكري وعلمي عميق لجذور وأصول الممارسة السياسية، ويشمل ذلك أيديولوجياتها وعقائدها ومصالح أطرافها، كما يهتم بمخرجات السياسة وأهدافها، وهو نوع من التفكير الإستراتيجي الذي يهتم بمعرفة طبيعة الأحداث السياسية وأسبابها ومساراتها والدوافع المسؤولة عن وقوعها إضافةً إلى تطوراتها، كما يحرص على معرفة الأحداث السابقة وما يشابهها من شواهد تاريخية، فيؤدي إلى الفهم العميق لمجريات الأزمات والأحداث الجسيمة، وأخيرًا فهو يهتم بتنمية المقدرة على التنبؤ بالمسارات المستقبلية للأمور وما يترتب عليها من نتائج، كما يقدم النصائح والتوصيات في ظل هذه النتائج.

إقرأ أيضاً: لماذا يريد بوتين غزو أوكرانيا؟ السر الحقيقي الذي لن يخبرك به أحد!

متى ومن يقوم بالتحليل السياسي؟

من الشائع أن يقوم كثير من الناس بتقديم تحليلاتهم السياسية في كل وقت وعند كل حادثة، ولكن هذا يُسمى حديث الشارع، وذلك حتى ولو كان المتحدثون فيه من المثقفين أو الأطباء أو المهندسين وما شابه، فلا يمكن أن يكون التحليل السياسي علميًا إلا إذا صدر بناء على أسس يعرفها المتخصصين فيه، سواء كانوا من السياسيين الممارسين للسياسة بأنفسهم أو من قبل الباحثين والخبراء المشتغلين بهذا الشأن، ويتم القيام عادةً بالتحليل السياسي في مثل هذه المناسبات التالية:

1- عند وقوع أمر غامض ومحير في الواقع السياسي فتختلف الآراء حوله، مما يستدعي القيام بعملية تحليل سياسي علمي ومعمق.
2- عندما يُكلف باحث أو خلية أزمة بالبحث في مشكلة سياسية معينة، أو إذا وقع حدث ضمن تخصص أحد الباحثين.
3- عند حدوث أزمة ما، بحيث تشعر مؤسسات الدولة أو المجتمع بمخاطر سياسية، أو نتيجة حدث سياسي مفاجئ، كوقوع حرب مجاورة، أو وقوع تهديد مباشر أو غير مباشر.
4- في حالة تطور وانتشار ظاهرة اجتماعية معينة ذات أبعاد سياسية، أو حتى ظهور وانتشار وباء مرضي، ورغم أن هذه الظاهرة طبية إلا أن لها أبعاد سياسية واقتصادية كثيرة فتحتاج لتحليل سياسي.
5- في ورشات ومؤتمرات التحليل السياسي الدولية منها والمحلية.
6- عند كتابة موضوعات المجلات السياسية الدولة المهتمة بتحليل الواقع المحلي والعالمي.
7- عند الحاجة لاتخاذ قرار معقد واستراتيجي ومتعلق بجوانب عديدة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها.
8- أي أسباب أو ظواهر أخرى جديدة أو غير مذكورة تستدعي القيام بتحليل سياسي.

إقرأ أيضاً: الصين الشيوعية واستخدام تكنيك الرأسمالية

أدوات التحليل السياسي

يقوم التحليل السياسي على عدد من الأدوات الأساسية، والتي هي بمثابة العدة التي يشتغل بها الباحث أو المحلل السياسي، ولا يمكن إجراء تحليل سياسي دقيق ومنهجي إلا بتوفرها، ومن أهمها ما يلي:

1- العلمية والواقعية: حيث تتجنب عملية التحليل السياسي الوقوع في تضخيم الأمور أو المبالغات أو الإكثار من ضرب الأمثلة لغير حاجة، كما أنها تتجنب اللغة العاطفية والمنحازة وإطلاق التهديد والتخويف والاتهامات والتجريح، كما تحرص على استخدام لغة بسيطة من المفردات التي يمكن لغالبية الناس فهمها بسهولة، وتلك المصطلحات التي لها مدلولات واضحة في الرأي العام.
2- المخزون المعرفي الواسع: فلا يمكن بناء تحليل سياسي عميق في العصر الحديث بأحداثه المعقدة، إلا بخلفية كبيرة من المعارف والعلوم الأساسية والمساعدة، مثل المنطق والفلسفة والعلوم السياسية، والعلوم الدينية والتاريخ ومتابعة الصحافة والأحداث والتحليلات المختلفة.
3- معطيات الواقع: وذلك إضاقةً إلى الخارطة السياسية في القضية المُراد تحليلها، مثل التصريحات الرسمية والتسريبات، الأحداث والمعطيات، ومصادر المعلومات الخاصة والاتصالات الشخصية، وعمق الخبرة في القضية والحضور الشخصي لموقع الحدث إن أمكن.
4- قواعد البيانات: ومنها الإحصاءات والعينات العشوائية والاستبيانات، وطرق البحث الاستقصائي، واستخدام النظريات العلمية الحديثة، وتعد هذه الأدوات الأخيرة من أهم مميزات التحليل السياسي الحديث المبني على أسس منهجية أقرب للواقع وأكثر دقة، وذلك بخلاف التحليل السياسي التقليدي المبني فقط على التفكير بالمعطيات والأحداث.

إقرأ أيضاً: اليهود وحقيقة القول عن سيطرتهم على العالم

فوائد التحليل السياسي

أصبح التحليل السياسي من ضروريات الحياة السياسية والإعلامية ولصناع القرار، وبل حتى لعموم الناس من المهتمين بالشؤون العامة، وكذلك للمفكرين ورجال الفكر والدين والإعلاميين والصحافة والكتاب، فهو محرك عملية تشكيل الوعي والوقاية من الظواهر الخطيرة الزاحفة والأزمات السياسية، كما يحلل أسباب الظواهر والتهديدات والأزمات، ويساعد بتقديم الحلول واختيار القرارات الأصلح، فيقدم بذلك وقاية للدولة والمجتمع، مما يشكل مردودًا إيجابيًا على مصالح الدولة وحركة الاقتصاد والاستقرار السياسي، كما يساعد التحليل السياسي النقدي المسؤول بتقديم العلاج لبعض الظواهر السلبية التي تنتشر في الدولة مثل الفساد والاستبداد والإقصاء، إذ يعمل على أن يكون صلة الوصل بين جميع الأطراف الفاعلة في الدولة والمجتمع.

زاهر طلب
كاتب وباحث
16/8/2020

المصادر:
*مقتطفات من كتاب التحليل السياسي تأليف الخبير الاستراتيجي الدكتور مهند العزاوي

 

 

 

 

 

 

 

Scroll to Top